شمال سورية: التعامل بالليرة التركية لم يخفف الأزمات المعيشية

شمال سورية: التعامل بالليرة التركية لم يخفف الأزمات المعيشية

31 مايو 2021
السوريون في إدلب يعانون من ارتفاع أسعار السلع الغذائية (Getty)
+ الخط -

فرض تقلب سعر صرف الليرة السورية، على المتحكمين بأمر المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في الشمال السوري، اتخاذ قرار بالتوجه نحو الليرة التركية كبديل عن التعامل المالي بالعملة السورية.
وأدى هذا التوجه إلى عمليات واسعة لاستبدال العملة السورية بالتركية في كل من شمال حلب وإدلب المحاذي لتركيا، وشيئاً فشيئاً بات التعامل بالليرة التركية حاضراً بقوة في الأسواق وعمليات الشراء الصغيرة وحتى المتوسطة، في حين بقي الدولار محافظاً على سطوته في التعامل المالي بالنسبة للتجارة والمبالغ الكبيرة، سواء في عمليات المبيع أو الشراء.
ورغم أن عملية استبدال العملة جاءت نتيجة مطالبات شعبية، ولا سيما من قبل شريحة العمال والمياومين، بعد انهيار العملة السورية التي وصلت قبل أشهر إلى حدود أربعة آلاف ليرة مقابل الدولار، فإن سبعة أشهر من التعامل بالليرة التركية في الشمال الغربي من سورية، كانت كفيلة باختبار التجربة، التي ربما تكون ذات جانب إيجابي للتجار، لكنها لم تكن كذلك بالمطلق بالنسبة لمحدودي ومعدومي الدخل في القرى والمدن والمخيمات.
ويشير المدرس عبد السلام اليوسف، وهو مدير أحد المخيمات في الشمال السوري، إلى أن "هناك سخطا وغضبا من الأهالي من عملية استبدال الليرة السورية بالليرة التركية، للتداول في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في الشمال الغربي من سورية".
ويوضح أن "التلاعب كان كبيراً جداً من الصرافين في عملية الاستبدال ولا سيما عند بدايتها، فعلى سبيل المثال عندما بدأت العملية استبدل الناس أموالهم بسعر 400 ليرة سورية مقابل كل ليرة تركية، أما اليوم فسعر الليرة التركية 200 ليرة سورية وهذا ظلم كبير وقع على الناس، وجعلهم في حيرة من أمرهم دون القدرة على التراجع لتعويض خسارتهم".

ويضيف اليوسف إن "أجور العمال لم ترتفع بعد الاستبدال لتتوافق مع القوة الشرائية للعملة الجديدة في السوق، فالكثير من العمال يعملون اليوم مقابل عشر ليرات تركية في اليوم (1.8 دولار)، فيما ربطة الخبز فقط يبلغ ثمنها 2.5 ليرة تركية، وهناك فروق بين المدخول والمصاريف وهذا ما يشكل عبئا على الناس".
ويبلغ سعر العملة السورية في السوق السوداء حالياً، نحو 3300 ليرة للبيع مقابل الدولار.
من جهته، يقول باسل نداف، وهو تاجر إكسسوارت، جملة ومفرق أو قطاعي، يعمل في بلدة سرمدا شمال إدلب الحدودية مع تركيا، إن "التجار أقل تضرراً من العمال من طرح العملة التركية للتداول في السوق، كونهم يستبدلون بشكل يومي مردودهم من العملية التركية بالدولار".
ويوضح: "نعاني كذلك من عدم ثبات سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار، فأحياناً نتعرض لخسائر في حال تأخرنا بتصريف ما لدينا من عملة تركية إلى دولار، ولذلك نحن أمام ضغط الحسابات بالإضافة لضغوط العمل".
ولفت إلى أن عمليات الشراء الكبيرة لا تجري عادة بالليرة التركية وإنما بالدولار الأكثر ثباتاً من العملة التركية، وهذا ما يقلل المخاطر المالية على التجار، لكن التعامل بالليرة التركية بات أمراً مفروضاً في السوق وعلينا التعايش معه بالنسبة لعمليات الشراء الصغيرة أو بيع المفرق مع الزبائن، وهذا ينسحب على جميع المصالح، وليس مهنتي وحسب".
ومن جانبه، يؤيد محمد البكور، المدرس في كلية الاقتصاد بجامعة إدلب، ونقيب الاقتصاديين السوريين الأحرار، عملية استبدال العملة السورية بالتركية، بل يرى أنها أزالت أعباء عن المواطن في إدلب والشمال عموماً، وليس زيادتها بحسبه.

ويدلل في ذلك أن "القياس يجب أن يكون على الغالبية العظمى من الشعب، وليس شريحة بحد ذاتها، ففي السابق كان هناك حالة غلاء في الأسعار وتأرجح كبير فيها ما يؤدي لخسارات كبيرة تحملها المواطن، أما اليوم فاستقرت الأسعار نسبياً، لا ننكر أن هناك تأرجحا لكن نسبيته مقارنة بالسابق قليلة جداً، ولا نقول إن خطوة الاستبدال مثالية بالمطلق، لكنها أفضل من عدم الاستبدال بأي حال".
ويدافع البكور عن عملية استبدال العملية بالإشارة إلى أنها "شجعت الاستثمارات، ولدينا مؤشرات على فتح استثمارات أكبر في الشمال السوري، ولدينا تحضير لمؤتمر استثمار كبير، وهناك رجال أعمال أبدوا استعدادا لضخ أموال كبيرة في قطاع الأعمال، واليوم هناك مشاريع صغيرة ومتوسطة افتتحت بشكل واسع في الشمال".
وبحسب البكور فإنه بالنسبة للطبقة الفقيرة، فلن تؤثر عليهم عملية الاستبدال ومردودهم واحد، سواء كان بالليرة التركية أو الليرة السورية، فعادة ما تقارن الأمور من وجهة نظر اقتصادية في هذا الجانب ما بين الموازنة بين الدخل والأسعار.
وينبّه إلى أن التحدي لا يكمن في استبدال العملة وإنما بقلة فرص العمل والتي تُعالج من خلال التشجيع على فتح الاستثمارات والمشاريع واستجرار الأموال إلى داخل الشمال.
وتفرض "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) هيمنتها على إدلب، وباتت تدير الجوانب الخدمية والاقتصادية عبر ذراعها التنفيذية والمدنية "حكومة الإنقاذ" ومن خلال مؤسسات الحكومة التي باتت تتسع بشكل كبير في الآونة الأخيرة. وسيطرت الهيئة على قطاعات الأعمال في إدلب ومحيطها، وهي التي قامت بعملية استبدال العملة عبر بنوك خاصة بها.

المساهمون