رهان إيطاليا على الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي يواجه تحديات

رهان إيطاليا على الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي يواجه تحديات التوترات الجيوسياسية

16 ابريل 2024
دعم إيطالي للممر الهندي بعد الخروج من طريق الحرير الصيني (الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الحكومة الإيطالية تعول على "طريق القطن" (IMEC) لربط الهند بأوروبا عبر الخليج وإسرائيل، كبديل لـ"طريق الحرير" الصيني، مع توقيع مذكرة تفاهم في قمة الـ20 بنيودلهي، ما يبرز أهميته الاستراتيجية والاقتصادية.
- يواجه المشروع تحديات جيوسياسية، مثل التوترات في الشرق الأوسط وصعوبات تطبيع العلاقات، لكنه يُنظر إليه كفرصة لتعزيز الأمن الاقتصادي وخلق محور اقتصادي عالمي جديد، بدعم حكومي وبرلماني إيطالي.
- التحديات المالية والجيوسياسية تعيق التنفيذ الكامل للمشروع، لكن هناك جهود لتطبيع العلاقات وتفعيل أجزاء منه، مثل الرابط بين الخليج والهند، لتعزيز التجارة والتبادل الثقافي بين الهند، أوروبا، ودول الخليج.

تبني الحكومة الإيطالية آمالا اقتصادية واسعة على الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا مرورا بمنطقة الخليج العربي وإسرائيل "IMEC" والذي أطلق عليه "طريق القطن" بعد الخروج من "طريق الحرير" الذي تدعمه الصين.

لكن هذا الرهان الإيطالي على الطريق الذي جرى توقيع مذكرة التفاهم الخاصة به في سبتمبر/أيلول الماضي، على هامش قمة مجموعة الـ20 في العاصمة الهندية نيودلهي، يواجه تحديات ناجمة عن التوترات الجيوسياسية في المنطقة في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتوترات المستمرة بين إيران وإسرائيل.

تنبع خطورة التحديات من أن اتفاق تدشين الممر يتطلب تطبيعا بين أطرافه الخليجية وعلى رأسها السعودية من جانب وإسرائيل من جانب آخر، وهو ما يعد صعبا في الوقت الحالي في ضوء الحرب في غزة. 

دعم برلماني 

وفي خطوة تعكس مدى الأهمية التي توليها الحكومة الإيطالية وممثلوها في البرلمان للمشروع، تقدم عدد من أعضاء مجلس النواب في وقت سابق من شهر إبريل/نيسان الجاري، وعلى رأسهم نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية باولو فورمينتيني، بمذكرة دعوا فيها الحكومة إلى تعيين مبعوث إيطالي خاص للمشروع، وذلك أسوة بفرنسا التي اتخذت هذه الخطوة من خلال تعيين جيرار ميستراليه الرئيس السابق لمجموعة إنجي للطاقة، مبعوثاً خاصاً لها في مشروع الممر.

بينما أكد السناتور جوليو تيرسي، رئيس لجنة سياسات الاتحاد الأوروبي بمجلس الشيوخ الإيطالي ووزير الخارجية الأسبق، "أهمية الممر الذي سيساهم في تحقيق الأمن الاقتصادي، لذا كانت إيطاليا من أوائل الدول الموقعة على المشروع في قمة العشرين".

ورأى تيرسي، في مقال نشرته مجلة فورميكي الإيطالية تحت عنوان "الممر نحو البهارات يُدعى IMEC " ضمن ملف حمل عنوان "قرن الهند" في عدد إبريل/نيسان، رأى أن "المشروع يكتسب أهمية استراتيجية تتجاوز بمراحل قيمته المتعلقة حصرياً بالبنى التحتية. وفضلاً عن كونه بديلاً عن طريق الحرير الصيني، فمن شأن الممر الجديد أن يخلق محوراً عالمياً جديداً لاقتصاداتنا ولموارد الطاقة ولشبكة الاتصالات".

وشدد على أن "هذا المشروع سوف يزيد الربط بين منطقتي الإندو-باسيفيك والبحر المتوسط ويقصر المسافة بينهما، مما يعطي دفعة مهمة للعديد من القطاعات، ويعزّز أيضاً الأوضاع الأمنية في كلتا المنطقتين".

بديل لطريق البحر الأحمر

وفي سياق متصل، ذكر المحلل الجيوسياسي الإيطالي إيمانويلي روسّي، في تحليل حمل عنوان "في ظل فوضى البحر الأحمر، ثمة حاجة للممر أكثر من أي وقت مضى" ضمن الملف المشار إليه لمجلة "فورميكي"، أن "المشروع الذي تعطل بشكل واضح بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، شهد انطلاقة جديدة منذ بداية العام الجاري"، مضيفاً أننا "بصدد مشروع يحظى بخاصية استراتيجية عالية من حيث الكيانات العالمية المتداخلة فيه مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والهند، ومن المنتظر أن يتجاوز التعثرات التكتيكية التي أفرزتها الفوضى الحاصلة في قطاع غزة. ومن ناحية أخرى، نجد أن السياق الدولي الذي تبلور على طول البحر الأحمر-هجمات الحوثيين- فرض إسراعاً في تطوير المشروع".

واستدرك بقوله إنه "إذا كان صحيحاً أن أحد مكونات الاتفاق الخاص بالممر يستلزم تطبيعاً للعلاقات بين إسرائيل والسعودية، وهو الذي يستحيل تنفيذه اليوم على المستوى الرسمي بالنظر إلى ضحايا الحرب من الفلسطينيين، إلا أن الساحة تشهد حاليا بعض التحركات في هذا الاتجاه-وصول البضائع برا إلى أوروبا".

وتابع أنه "بينما مازالت بعض الأجزاء الأخرى من المشروع أفكاراً على ورق، فإن ثمة مسارات نشطة بالفعل في أقصى الجزء الشرقي من المشروع، خاصة الرابط بين منطقة الخليج والهند والذي يتلاقى رهانه الاستراتيجي بشأن الربط متعدد الوسائل مع الرهان الإماراتي"، مشيراً إلى أن تلك المسارات "ثمرة أيضاً لتطور تبادل ثقافي مكثف يقتفي أثر المحور الهندي-الإبراهيمي".

ولفت إلى أن " ثمة مبادرات أخرى، حتى وإن كانت أقل قابلية للتنفيذ، قد تم بحثها بالفعل، منها مشروع الربط بين العراق وتركيا ومنه لأوروبا، فيما يعرف بطريق التنمية، والذي تسعى أنقرة لإطلاقه مجدداً للالتفاف حول البحر الأسود والعودة بشكل أو بآخر إلى طرق الربط بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، بعد استبعادها أولاً من قناة السويس والآن من الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي".

تحفظات ومخاوف 

وعلى الرغم من ذلك، فإن ثمة من أعرب عن تحفظاته ومخاوفه حيال مستقبل هذا المشروع. حيث رأى الباحث في مؤسسة Rie الإيطالية لأبحاث الصناعة والطاقة فرنشيسكو ساسّي أن "ممر IMEC هو أحد الضحايا الرئيسيين للواقعية السياسية التي فرضتها الحرب بين إسرائيل وحماس، والحقيقة هي أن عملية الربط الإقليمي تمر من تسوية سياسية إلى توترات دولية سائدة اليوم".

واعتبر ساسّي، في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد"، أن "ما يحدث حالياً في قناة السويس، وبصفة عامة الوضع بالغ الحرج لأي بنية تحتية بحرية خاصة بالطاقة، يؤكد مجدداً المخاطر والأخطار التي تخلفها ارتباطات طاقية ورقمية ومالية جديدة، وبطبيعة الحال الأدوات الجديدة لممارسة النفوذ المتصلة بها".

من جانبه، قال رئيس مكتب تمثيل غرفة التجارة الهندية في إيطاليا فاس شينوي، إن "الممر هو وسيلة لإثبات مرونة سلسلة التوريد الهندية في المستقبل مع الشركاء الذين يمثلون كبار أصحاب المصلحة في الهند تحت مظلة الولايات المتحدة".

الصورة
الممرات التجارية والاقتصادية بين آسيا وأوروبا (الأناضول)
تتنافس عدة مشاريع على ربط آسيا بأوروبا عبر ممرات برية وبحرية (الأناضول)

وأضاف شينوي في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن "المشروع يعتبر دمجاً لجميع المشاريع الفردية بين الهند وشركائها من دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي في ممر واحد ضخم للتجارة والبيانات والطاقة، وأيضًا للتخفيف من تداعيات بعض المخاطر مثل إغلاق قناة السويس ومضيق باب المندب، وكذا مخاطر تهديد كابلات الإنترنت، والتي تظهر بكثرة في الأيام الحالية"، مؤكدا أن "من شأن هذه المخاطر أيضًا تهديد الاقتصاد العالمي والنظام الدولي".

ولفت إلى أن "نيودلهي وروما عملتا بشكل وثيق، منذ ولاية رئيسة الحكومة الإيطالية الحالية جورجيا ميلوني وسلفها ماريو دراغي، على تطوير علاقاتهما التجارية"، مشيرا إلى أن " المشروع ليس مجرد ممر تجاري للشحن البحري والنقل عن طريق السكك الحديدية، بل هو أيضًا وسيلة ربط، تهدف إيطاليا من خلالها أن تصبح بوابة الهند إلى أوروبا".

تحديات بوجه المشروع 

من جانبها قالت مؤسسة الأبحاث الهندية "Observer Research Foundation" إن مجموعة من التحديات تواجه المشروع منها أوضاع التوتر السائدة حالياً في منطقة الشرق الأوسط التي أكدت أنه " لا يُرتجى منها، من وجهة نظر جيوسياسية، أن تفضي إلى نوع ما من التعاون النشط بين كل من إسرائيل والأردن والسعودية والإمارات وهو ما يتطلبه مشروع الممر".

وأضاف المركز في دراسة نشرها الأسبوع الماضي، بعنوان "الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا: نحو خطاب جديد في الربط العالمي"، أن "ثمة مخاوف جيو اقتصادية في مصر وتركيا من أن المشروع يمثل تجاوزاً في حقهما: فالقاهرة ترى فيه منافساً لا تستدعيه الضرورة للاحتكار الربحي لقناة السويس، بينما تعتقد أنقرة أن إنشاء ممر سكك حديدية من البصرة عبر الأراضي العراقية ليس فقط أكثر قابلية للتنفيذ، إنما يعزز أيضاً من مركزها كجسر بين آسيا وأوروبا". 

وأشار المركز إلى تحديات التمويل التي تواجه المشروع رغم تعهد السعودية باستثمار 20 مليار دولار فيه، داعيا إلى "البحث عن أدوات تمويل جديدة ومستمرة تتلاءم مع فترة تنفيذ المشروع الطويلة ومن ثم تأخر عائداته"، مؤكدا في هذا السياق "أهمية الدور الذي من الممكن أن تلعبه أدوات التمويل الإسلامي من الاقتصادات العربية".

وخلصت الدراسة إلى أن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا يحمل فرصاً مهمة وتحديات جوهرية، فمن حيث الفرص فهو "سيزيد من حجم التبادل التجاري بين الهند وأوروبا، كما وسيحول طرق التجارة بين آسيا وأوروبا التي تهيمن عليها حالياُ قناة السويس"، أما التحديات وفقا للدراسة فهي "نابعة من الحاجة إلى الحفاظ على روح التعاون عبر دول متعددة ذات طموحات مختلفة"، مشيرة أنه "على النقيض من مبادرة الحزام والطريق، فإن تطلعات مختلف اقتصادات البلدان المشاركة في المشروع ذات التباينات الاقتصادية والاجتماعية بحاجة إلى التوافق على هدف واحد". 

وختمت الدراسة بقولها إنه "علاوة على ذلك، يجب تصميم هذا الممر التجاري بحيث يتماشى مع ظروف السوق لضمان استمراريته على المدى الطويل. وفي الوقت عينه، من شأن أحداث مثل الحرب في غزة أن تبطئ الخطة الطموح". 

المساهمون