تفقير جنوب العراق: الأزمات تعبث بمعيشة 60% من سكان الأهوار

تفقير جنوب العراق: الأزمات تعبث بمعيشة 60% من سكان الأهوار

12 نوفمبر 2022
الجفاف يقضي على الزراعة في الأهوار (أرشاد محمد/ الاناضول)
+ الخط -

يرزح جنوب العراق تحت فقر شديد ليطاول أكثر من نصف سكان مناطق الأهوار. الأسباب متعددة، أبرزها الجفاف والإهمال الرسمي الذي ساهم في تدهور الوضع الاقتصادي العام، فضلاً عن النزوح واسع النطاق الذي شهدته تلك المناطق التي يعتمد سكانها على الصيد وتربية المواشي والحرف اليدوية التقليدية.

وأوضح النائب في البرلمان العراقي، حسن الأسدي، أن الفقر في العراق يهيمن على فئة كبيرة من السكان، بسبب الجفاف وقلة الموارد. وأكد الأسدي، لـ"العربي الجديد"، أن 60 في المائة من سكان الأهوار يعيشون تحت خط الفقر، وهم بحاجة كبيرة للدعم الإنساني وتوفير المتطلبات الأساسية للحياة.

وأضاف أن تدهور الاقتصاد المحلي يعد من أبرز الأسباب وراء ارتفاع نسبة الفقر في الأهوار، لأن سكانها يعتمدون، وبشكل كبير، على الحرف اليدوية والصيد المائي وتربية الحيوانات، فضلاً عن الأهمية التاريخية والاجتماعية التي أهلت هذه المنطقة لتكون جاذبة سياحياً.

ولفت الأسدي إلى أن أعداداً كبيرة من سكان الأهوار هربوا من واقعها المأساوي واضطروا للهجرة أو للنزوح إلى مناطق أخرى بحثاً عن مصادر للعيش، ومعظم هؤلاء ذهبوا إلى مناطق وسط العراق وشماله في محاولة لإنقاذ ما تبقى لديهم من حيوانات ومواشٍ.

أنقذوا الأهوار

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أطلق عدد من الناشطين والمختصين حملةً واسعة لإنقاذ الأهوار نتيجة الجفاف وتدهور الأزمة المعيشية. وقال عضو اللجنة الوطنية لإنقاذ أهوار العراق بديع الخيون، لـ"العربي الجديد"، إن الحملة تعمل على تقديم ملف الأهوار العراقية للبرلمان العراقي، لضمان حقوق سكان الأهوار وتوفير الحصص المائية العادلة وفق دراسة علمية، وكذا تطوير الجانب الخدمي والاقتصادي في تلك المناطق.

وبين أن اللجنة قدمت عدة مطالب لتكون الأهوار ضمن هيئة مستقلة ترتبط برئاسة الوزراء بشكل مباشر، لضمان وجود جهة حكومية تدعم مشروع إنقاذ الأهوار بعيداً عن المزاجية السياسية والشخصية. وأشار الخيون إلى أن مساحة الأهوار كانت تشكل 3 في المائة من مساحة العراق الكلية، إلا أن عمليات التجفيف وقطع المياه قلصت المساحة بنسبة تُقدر بـ90 في المائة، معتبراً أن ما تتعرض إليه الأهوار جريمة إنسانية بحق السكان، فضلاً عن كونها كارثة بيئية واقتصادية بسبب الحجم الكبير من الجفاف وقلة الموارد الطبيعية وتضاؤل المردود المالي للسكان.

وعن دور الدولة في مواجهة الفقر الذي يتعرض له سكان الأهوار، بيّن الخيون أنها فشلت في توفير متطلبات الاستمرار، ولم تقم بأي جهد لإنقاذ السكان من حالة الفقر الشديد، على الرغم من أن معالم الأهوار اختفت تماماً ونباتاتها جفت وأسماكها ومواشيها نفقت وأخذ التصحر يزحف بقوة على معظم مناطقها.

وأشار إلى أن معظم الصيادين ومربي الجاموس والحرفيين فقدوا مصدر رزقهم، وهؤلاء يشكلون ثلث سكان مناطق الأهوار، فضلاً عن فقدان هذه الشرائح الاجتماعية فرص عملها، ما رفع من معدلات البطالة الى معدلات تتجاوز 60 في المائة ودفع إلى نزوح وهجرة المئات من الصيادين والحرفيين ومربي المواشي.

ثروة طبيعية

وتمثل الأهوار العراقية أكبر نظام بيئي للأراضي الرطبة في الشرق الأوسط وغرب آسيا، فهي تتألف من مجموعة من البحيرات والأراضي المستنقعية المتصلة مع بعضها، وامتدت تاريخيا على مساحة أكثر من 20 ألف كيلومتر مربع. كما أن الأهوار في جنوب العراق تمتلك تاريخا طويلا يمتد لأكثر من 5000 سنة ولها أهمية بيئية كبيرة.

وشرح الخبير البيئي، جاسم الأسدي، أن مناطق الأهوار تضم ثلاثة مواقع أثرية، وأربعة مسطحات مائية تتمثل في الأهوار الوسطى بين نهري دجلة والفرات، وهور الحمّار الغربي، وهور الحمّار الشرقي، وهور الحويزة الذي يتوزع بين محافظات ذي قار وميسان والبصرة.

وأضاف أن مدينتي أوروك وأور الأثريتين والموقع الأثري في مدينة أريدو هي أجزاء من آثار المدن والمباني السومرية، التي أنشئت في بلاد ما بين النهرين بين الألفيتين الرابعة والثالثة قبل الميلاد على ضفاف نهري دجلة والفرات.

ولفت الأسدي، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن أهوار جنوب العراق تشكل محميات للكثير من النباتات الطبيعية والحيوانات البرية والداجنة والطيور المقيمة والمهاجرة، إلا أن شح المياه والجفاف من العوامل المباشرة التي أثرت بشكل كبير على البيئة وعلى معيشة السكان في آن.

وأوضح أن الأهوار تشكل تراثاً إنسانياً لا مثيل له وقد كانت موطناً للسكان الأصليين على امتداد حضارات سومر، أور، أريدو، ولجش.

أهمية اقتصادية

بدوره، شرح الباحث الاقتصادي، أحمد مظهر، أن الأهوار تعتبر من المناطق الغنية بثرواتها الطبيعية، كالثروة السمكية والحيوانية والنباتية وأنواع مختلفة من الطيور المستوطنة والوافدة من روسيا وأوروبا.

وأوضح مظهر، لـ"العربي الجديد، أن سكان هذه المناطق يعيشون على ما تجود به الطبيعة عليهم من خيرات في الجانب الحيواني والنباتي، فضلاً عن انتعاش الحرف اليدوية التقليدية المصنعة من القصب والبردي التي تعتبر من أهم عوامل الجذب السياحي. وأضاف أن الزراعة في الأهوار لو استثمرت بشكل صحيح فإنها ستحقق إيرادات مالية وتغطي حاجة السوق المحلية من محصول الشلب والعنبر بأنواعه، حيث كان إنتاج هذه المناطق يسد الحاجة المحلية ويصدر منه إلى خارج العراق.

وأكد مظهر أن النشاط السياحي في الأهوار منعدم تماماً، لعدم وجود بنية تحتية واستثمار حقيقي في الموارد، فضلاً عن غياب الدعم لأصحاب المهن والحرف اليدوية بشكل كامل، على الرغم من أهميتها كونها تعتبر من عوامل الجذب السياحي لهذه المناطق. وقالت وزارة الموارد المائية العراقية إنها تعمل على معالجة المشاكل التي يعاني منها سكان الأهوار، من خلال عدد من الخطط والمشاريع الخدمية لتوفير الحصص المائية اللازمة.

وأكد مدير عام إنعاش الأهوار والأراضي الرطبة في الوزارة، حسين الكناني، أن المركز أعد خطة استراتيجية لتعميق وتوسيع مغذيات ومنافذ الأهوار من خلال تحويلها من جداول إلى أنهار بمسافة تصل إلى 20 كيلومترا، بهدف تدوير المياه واستدامة الحياة في تلك المناطق ومنع هجرة سكانها، رغم الجفاف الذي تمر به البلاد للموسم الرابع على التوالي.

وأضاف الكناني، في تصريح صحافي، أن الخطة كانت قد بدأت بالفعل ضمن محافظة ذي قار خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي يتغذى من خلالها هور الحمّار من منافذ أيمن نهر الفرات، أما الأهوار الوسطى فتتغذى من منافذ أيسره. وأشار الكناني إلى قرب الانتهاء من أعمال المشروع ضمن محافظة ذي قار، بينما سيُباشر بمشروع مشابه ضمن محافظتي البصرة وميسان خلال العام المقبل.

المساهمون