تجّار المقاطعة في مصر: أداة للثراء الفاحش

تجّار المقاطعة في مصر: أداة للثراء الفاحش

13 ديسمبر 2023
اتساع حملات المقاطعة الشعبية للمنتجات الأميركية (Getty)
+ الخط -

أجج العدوان الوحشي الإسرائيلي على غزة الذي دخل الشهر الثالث، نيران غضب المصريين. يشعر المواطنون بالعجز عن التعبير عن رفضهم الشعبي لحرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، تحت وطأة القبضة الأمنية الغليظة، فانصرف الملايين عن أزماتهم اليومية للاصطفاف في حركة "المقاطعة الشعبية" للشركات والمنتجات الدولية الداعمة لإسرائيل.
في هذا السياق، استغل البعض حملات المقاطعة من أجل جنى أكبر ربح ممكن، إذ ارتفعت أسعار العديد من البدائل لمنتجات الشركات الداعمة للاحتلال في ظل زيادة الطلب ونقص العرض.
ويشير المسؤول بمركز تجاري لسلسلة محلات مصرية تستهدف الشريحة العليا والوسطي من المجتمع محمد نور الدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى إقبال الجمهور بشدة على شراء المنتجات البديلة للعلامات التجارية الخاضعة للمقاطعة الأقل سعرا والمكافئة للمنتج الأجنبي بالجودة والنوعية. يقول المسؤول بمركز تجاري بمدينة 6 أكتوبر، غرب العاصمة، لـ"العربي الجديد"، إنه اضطر إلى زيادة توريد المنتجات البديلة للمقاطعة، في الآونة الأخيرة، بعدما لاحظ تراجع المبيعات وتراكم المنتجات التي كان يقبل عليها الجمهور عادة، وخاصة من المشروبات والأطعمة والحلويات، التي تتطلب إعادتها للمصانع في حال بقائها لفترة زمنية محدودة.

يذكر نور الدين أن ارتفاع الطلب على المنتج البديل لا تقابله زيادة في العرض من المصانع والموردين، وهو ما رفع الأسعار بمعدلات هائلة خلال وقت قصير. يشكو نور الدين من استغلال بعض الموردين لزيادة الطلب بالمغالاة بقيمة السلع ومنح كميات بسيطة لمن يطلبها، ويبالغ آخرون في تعطيش السوق، وهو ما يوقع أصحاب المحلات في حيرة من أمرهم بين رغبتهم في تلبية حاجة المواطنين وضرورة توفير السلع بأي ثمن في ظل عدم قدرتهم على تصريف البضائع الخاضعة للمقاطعة، وإصرار المواطنين على طلب منتجات بعينها تتوافق مع التزامهم الشخصي بالمقاطعة.

يبدي نور الدين اعتراضه على رفع موردين أسعار سلع محلية بمعدلات تصل إلى 200% خلال أسبوع، لمجرد إقبال الجمهور على شراء سلعة بديلة للمنتج المستورد، وخاصة الشيكولاتة والمشروبات الباردة والمقرمشات كثيرة الطلب من فئة الشباب والأطفال.
يشير عضو اتحاد الغرف التجارية حازم المنوفي إلى أن حركة المقاطعة للبضائع أثرت على نحو 10% من حركة المبيعات اليومية، خاصة السلع الاستهلاكية والمشروبات، بينما يظل الطلب على الملابس ومستلزمات الإنتاج والمصانع متأثرا بندرة العرض وزيادة الأسعار، وعدم وجود بدائل محلية أخري.
من جانبه، يقول خبير التمويل والاستثمار مصطفى بدرة في حديثه مع "العربي الجديد": من السابق لأوانه دراسة أثر المقاطعة على حركة الأسواق، مؤكدا أن مرور شهرين على بدء تنفيذها غير كاف لدراسة الظاهرة، ومدى تحقيق أهداف الداعين إليها وإحراز خسائر لدى الجهات المستهدفة. يستبعد بدرة نجاح المقاطعة في ظل ندرة السلع وحالة التضخم الهائل بأسعار المنتجات المستوردة والمحلية، مشيرا إلى أن أسعار السلع المحلية البديلة زادت بمعدلات تراوح ما بين 100 و150% خلال فترة وجيزة، بما يعكس استغلال التجار والموردين الباحثين عن الثراء لرغبة الشعب في المقاطعة لصالح أنفسهم.
يؤكد بدرة أن هؤلاء المستفيدين لم يظهر منهم أحد ليعلن تبرعه بالأموال التي سيجنيها أو جزء منها للشعب الفلسطيني أو يرسل عبر الوسائل الرسمية المختلفة مبالغ مالية أو منتجات تدعم المعرضين للإبادة في غزة، بما يعكس حرص هؤلاء على أن تظل نظرية العرض والطلب هي الحاكمة للسوق، فترتفع الأسعار دون إحراز مردود إيجابي من فكرة المقاطعة.

يبين الخبير الاقتصادي أن حالة الأسواق ستظل في اتجاه صعودي بمعدلات التضخم، نظرا لعدم استقرار العملة والحرب في غزة وحالة الاضطراب السياسي والاقتصادي دوليا، بما يفرغ شعارات المقاطعة من مضمونها، لا سيما أن أغلب المنتجات المحلية تحتاج إلى مستلزماتها من الخارج.
يرفض المقاطعون التحول عن حملاتهم المستعرة على وسائل التواصل الاجتماعي وبالقرب من المراكز التجارية الكبرى والمناطق الشعبية.

يعلي هؤلاء فكرة أن "المقاطعة ليست بحثا عن بديل أفضل للسلع والخدمات" التي تبيعها وتنتجها الشركات الداعمة للاحتلال الصهيوني للأراضي العربية، ولكن لأن المقاطعة "جهاد نفس في سبيل الله، لأن المواطن يستغني عن أحب الأشياء إلى قلبه وإن لم يكن لها بديل للأبد"، حسب مواطنين.
تأتي مقاهي " ستاربكس" على قائمة الشركات الأميركية المستهدفة بالمقاطعة.

ترصد "العربي الجديد" انخفاضا شديدا في الإقبال على تلك المقاهي، خاصة المنتشرة حول المراكز التجارية بوسط وغرب العاصمة، وإن كانت أقل حدة بمناطق القاهرة الجديدة المتاخمة للعاصمة الإدارية. يدقق الناس في اختيارات أماكن جلوسهم، بما دفع محلات "ماكدونالدر" إلى وضع ستائر داخل بعض الفروع الكبرى، لتحجب الرؤية عن المارة بالشوارع. انتشرت الظاهرة بين كثير من المحلات المستهدفة بالمقاطعة، تعكس خشية إدارات العلامات التجارية من نظرات التنمر التي يلقيها المارة على مرتادي تلك المحلات، بينما يشير مواطنون إلى حرص تلك الشركات على إخفاء حجم عدد المرتادين في ظل وجود أماكن كثيرة شاغرة.

المساهمون