المصارف اللبنانية تتجه إلى وقف إضرابها... ورئيس الحكومة يلاحق القضاء

23 فبراير 2023
تنواصل المشكلات المصرفية في لبنان (حسين بيضون)
+ الخط -

تتّجه المصارف اللبنانية إلى فك إضرابها المستمرّ منذ 7 فبراير/شباط الجاري، بعد تدخلات سياسية حصلت على خطّ القضاء للجم الأحكام القضائية التي تطاول البنوك ورؤساء مجالس إدارتها، لا سيما من جانب النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون.

وتوجه رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي بكتابٍ إلى وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي، يطلب فيه إجراء المقتضى القانوني للحفاظ على حسن سير العدالة، طالباً إيداع نسخ منه لدى كل من وزارة العدل، ومجلس القضاء الأعلى، والنيابة العامة التمييزية، والتفتيش القضائي، والمديرية العامة لأمن الدولة.

واتهم ميقاتي القاضية عون في كتابه بارتكابها جملة مخالفات في ملاحقاتها مصارف لبنانية، وتجاوزها حدّ السلطة، ورفضها الاستجابة لطلبات الرد والمداعاة المقامة بوجهها وتجاهلها إياها بينما تستمرّ في وضع يدها على الملف.

وطلب رئيس الحكومة من وزير الداخلية الإيعاز للأجهزة الأمنية المختصة بعدم تنفيذ القرارات الصادرة عنها، واتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات تجيزها القوانين والأنظمة مرعية الإجراء في سبيل تطبيق أحكام القانون والمنع من تجاوزه والمحافظة على حسن سير العدالة.

وسريعاً، طلب وزير الداخلية من الأجهزة الأمنية، في كتاب موجه اليوم، عدم تأمين المؤازرة، أو تنفيذ أي إشارة أو قرار يصدر عن القاضية عون، في أي ملف يثبت أنه قد جرى تقديم طلب مداعاة الدولة بشأن المسؤولية الناجمة عن أعمال النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، وذلك لحين بت المرجع القضائي في هذا الطلب.

ويأتي هذا الكتاب في وقتٍ كان أعلن ميقاتي أمس، في مقابلة تلفزيونية عبر قناة "الجديد"، أن المصارف تتجه إلى فكّ إضرابها خلال 48 ساعة، مؤكداً وجوب حماية القطاع المصرفي الذي من دونه لا يمكن بناء أي اقتصاد.

ورداً على سؤال عن سعيه مع النائب العام التمييزي القاضي غسان عوديات لوقف إضراب المصارف، قال ميقاتي: "أنا مسؤول عن الانتظام العام في البلد، وحتماً القطاع المصرفي، هو قطاعٌ مهمٌّ ومنشط ولا اقتصاد يبنى بلا مصارف، وبعد كل الإضراب الحاصل، نعم أسعى بالاتصالات مع جمعية المصارف لمعرفة أين أصبحت في القضاء وأعطي التوجيه اللازم، واقتربت الأمور من الحلّ".

ادعاءات ضد المصارف

وأشار ميقاتي إلى أن هناك اعتراضات على ما تقوم به القاضية عون وعلى ارتكابها تجاوزات قانونية، وقد لفت نظر القضاء إلى أن يأخذ دوره، وأعطى التوجيهات اللازمة، متوقفاً عند تداعيات التهم التي تطاول المصارف على سمعتها وجعلها بمثابة الخارجة عن القانون، مؤكداً عدم تدخله في القضاء، لكن لا يجوز التجاوز والشمولية والادعاء "على العميانة" بالتبييض والإثراء غير المشروع من دون الاستماع إلى الأشخاص، وذلك يشكل خطراً على القطاع ككل.

وفي جعبة القاضية غادة عون، التي تُتّهم بتنفيذ أجندات سياسية وأنها محسوبة على "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل صهر الرئيس الأسبق ميشال عون، الكثير من الادعاءات على المصارف، آخرها شكويان مقدّمتان من جمعية "الشعب يريد إصلاح النظام"، الأولى على بنك عودة ورئيس مجلس إدارته سمير حنا، ورئيس مجموعة بنك عودة تامر غزالة وكل من يظهره التحقيق بجرم تبييض الأموال.

كذلك، ادعت القاضية عون بناءً على شكوى الجمعية المذكورة، على بنك "سوسيتيه جنرال" ورئيس مجلس إدارته أنطون الصحناوي وكل من يظهره التحقيق بجرم تبييض الأموال سنداً للمادة (8) فقرة ب بند 1 من قانون رفع السرية المصرفية معطوفة على المادة الثالثة بند 1 من قانون تبييض الأموال رقم 44/2015، ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة سنداً للمادة ( 13 ) من قانون تبييض الأموال.

واعتبر بنك سوسيتيه جنرال أن قرار القاضية عون في غير محله الواقعي والقانوني، وهو باطل، وكأنه لم يكن، وصادر بدوافع واعتبارات سياسية بحتة عن قاضٍ تمّ كف يده عن الملف من قبل كل من النيابة العامة التمييزية ومجلس القضاء الأعلى، ويأتي بنتيجة اعمال إرجائية مشوبة بعيوب جوهرية.

تجدر الإشارة إلى أن القاضية عون ادعت عام 2019 على ميقاتي ونجله ماهر وشقيقه طه، وبنك عودة، بجرم الإثراء غير المشروع عبر الحصول على قروض سكنية مدعومة من مصرف لبنان.

مواجهة القضاء

من جهتها، قالت الدائرة الإعلامية في جمعية "الشعب يريد إصلاح النظام" في بيان الأربعاء: "أتحفنا المدعى عليه بالاستفادة من قروض الإسكان خلافاً للقانون السيد نجيب ميقاتي بتسطير كتاب إلى وزير الداخلية يدعوه فيها إلى مواجهة قرارات القاضية غادة عون وعدم تنفيذ أي منها، من أجل حماية المصارف التي استفاد منها على حساب الشعب اللبناني، ولا سيما فقرائه".

وأشارت الجمعية إلى أن "هذه المذكرة هي تدخلٌ سافرٌ في مبدأ فصل السلطات وتحريض على مواجهة السلطة القضائية، تعرض محررها والملتزم بها لأشد العقوبات، وهي بكل الحالات مخالفة للدستور والمعاهدات الدولية، وتشكل سبباً يتيح اللجوء للمحاكم الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان".

وأضاف بيانها: "إن جمعية الشعب يريد إصلاح النظام، ومع احتفاظها بحقوقها كافة بسبب الافتراءات التي تكيلها المصارف ووكلائها، تتساءل عن دور مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي في حماية القضاء والقضاة من تغطرس السلطة التنفيذية، وعن سبب هذا الصمت المريب الذي يشير إلى علم مسبق بهذا التجاوز الخطير للدستور والقانون".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

في السياق، يقول المحامي فؤاد الدبس، عضو اللجنة القانونية في "رابطة المودعين"، لـ"العربي الجديد"، إن "المصارف والمصرفيين وحماتهم من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى كبار القضاة والسياسيين، يضعون الناس أمام سيناريو قاتل، يتمثل في أنه إذا أردتهم العدالة والمحاسبة، فسنتوقف عن تقديم الخدمات المصرفية السيئة ونستمر بالإقفال المتكرر، وقطع كل الخدمات المصرفية عن المودعين التي من أهمّها سرقة أموالهم".

ويلفت الدبس إلى أن "التدخل في عمل القضاء جريمة، وهو اليوم يحصل من أجل تعويم المصارف التي هي بالنسبة إلينا كارتيلات ومافيات، مع العلم أن الدعاوى القضائية ليست فقط عند القاضية عون، ولكن مرفوعة أمام العديد من القضاة، والقضاء بات يغصّ بالدعاوى المرفوعة بوجه البنوك، عدا عن تلك المقامة في الخارج، لأن الناس تريد حقوقها وأموالها وهي بأمسّ الحاجة إليها في ظلّ الانهيار الحاصل والغلاء الفاحش".

ويكرر الدبس الدعوة إلى أن "يكون القضاء مستقلاً ونزيهاً ونظيفاً، لأنه طالما أن التدخلات في عمل القضاء الحاصلة لحماية الأطراف الأقوى في المجتمع مستمرّة ومنطق المحاسبة غائب ومغيّب، فإن الازمة ستبقى ولن نخرج منها أبداً".

ويشدد على أن "المصارف تقوم بإذلال الناس وسرقتهم كما فعلت في الدولة ومؤسساتها وممارسة الضغوطات عليهم لحماية نفسها قضائياً، وتسعى لذلك، حتى إقرار قانون الكابيتال كونترول الذي يؤمن لها العفو العام ويعطيها الغطاء والحماية للاستمرار بالنهب الذي تقوم به، ولم يعد ما تفعله مجرد إجرام، بل أيضاً تدمير لكامل الاقتصاد والمجتمع وأي فرصة لحياة كريمة وعدالة".

انقسامات بين المصارف

في الإطار، لم يصدر بعد أي قرار رسمي بعد عن جمعية المصارف في لبنان حول الإضراب ومصيره، علماً أن هناك انقسامات كبيرة في صفوف أعضائها، سواء حول الموقف من الإقفال الجزئي والشامل، أو من تعاون بعض المصارف مع القضاء، من بينها بنك "لبنان والمهجر" و"الاعتماد المصرفي"، على صعيد تقديم الأوراق والداتا المطلوبة منها، في حين تتمسك مصارف أخرى بالتمرّد وعدم تلبية طلبات القضاء.

وفي وقتٍ لاحقٍ، أصدر ميقاتي بياناً أكد فيه أنه "لم ولن يتدخل في عمل القضاء، بل انطلق في بيانه من كتب وردته وتتضمن عرضاً مفصلاً لمخالفات منسوبة لبعض القضاة. وقد نقل بأمانة قانونية مضمون تلك الكتب الواردة، وطلب، انطلاقاً من موقعه الدستوري وحرصه على تطبيق أحكام القانون والمحافظة على حسن سير العدالة، من وزير الداخلية اتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات تُجيزها القوانين والأنظمة مرعية الإجراء في سبيل تطبيق أحكام القانون والمنع من تجاوزه والمحافظة على حُسن سير العدالة".

وتابع بيان ميقاتي بتأكيده أن "القضاء المختص يبقى صاحب الصلاحية بممارسة مهامه كاملة وباستقلالية مُطلقة من دون أي تدخّل من قبل أي سلطة أو جهاز، إلا أن ذلك يبقى مشروطاً بأن تكون تلك الممارسة ضمن سقف القانون ولا تشكّل تعدياً صارخاً على القواعد القانونية، وأن مسؤولية الجميع، كلّ من موقعه، هي المحافظة على القطاع المصرفي من دون أن يعني ذلك قطعاً جعل أي مصرف بمنأى عن أي ملاحقة أو مساءلة أو عدم إخضاعه للتحقيق ومحاسبته حتماً في حال ثبوت ارتكابه أي مخالفة أو تجاوزات قانونية، ولكن مع مراعاة أصول الملاحقة والمحاكمة التي هي بحمى الدستور والقانون".

من جهتها، ردّت القاضية عون واصفة ما حصل بالتدخل غير المسبوق في عمل القضاء، وبمناصرة من قبل وزير الداخلية للفريق المدعى عليه على حساب الجهة المدعية.

وتوجهت بالقول: "نصف الشعب اللبناني حرم من جنى عمره ورزقه ومدخراته، ألا يعنيك ذلك؟ كيف تسمح لنفسك بالتدخل في مسار الدعوى؟ هذا انهيار كلي للعدالة في هذا البلد المسكين".

المساهمون