العالم يحبس أنفاسه: الولايات المتحدة تقترب من التخلف عن سداد ديونها

العالم يحبس أنفاسه: الولايات المتحدة تقترب من التخلف عن سداد ديونها

18 مايو 2023
مخاوف الأسواق تتصاعد (Getty)
+ الخط -

مع اقتراب موعد تسديد الولايات المتحدة الأميركية لديونها في الخامس من يونيو/حزيران المقبل، يحبس العالم أنفاسه تحسباً لمواجهة أزمة عالمية جديدة، مع احتمال قوي لتخلف الولايات المتحدة عن السداد، وذلك في الوقت الذي لا يزال يعاني فيه العالم من ارتدادات جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية. 

السبب الرئيسي للمخاوف يكمن في تصاعد الخلاف الحادث حاليا بين البيت الأبيض والكونغرس بشأن الحد الأقصى لسقف الدين، الذي تسعى إدارة الرئيس جو بايدن لرفعه، فيما يسعى الجمهوريون الذين يحظون بالأغلبية في مجلس النواب إلى ربط الموافقة على رفع سقف الديون بتخفيضات في الإنفاق الحكومي، الأمر الذي دفع وزارة الخزانة للبدء في استخدام إجراءات استثنائية لإدارة السيولة، وفي أفضل التوقعات قد تتخلف الحكومة عن سداد ديونها ما يزيد قليلا عن أسبوعين، وهو ما سيكون له أيضا رد فعل عنيف على الأسواق العالمية. 

ويقصد بسقف الدين، الحد الذي يفرضه الكونغرس الأميركي على مقدار الديون المسموح للحكومة بالحصول عليها لدفع فواتيرها، وفي حال عدم رفع الكونغرس لسقف الدين أو تعليقه وأيضاً في حال عدم دفع الفائدة على أذون وسندات الخزانة فقد لا تستطيع الولايات المتحدة سداد ديونها، ما يؤثر على الأسواق المالية وعلى الاقتصاد الأميركي والاقتصاد العالمي.. وحديثاً لم تتخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها نظراً لأنها كانت تلجأ إلى رفع سقف الدين أو إلى تعليقه مع قيامها بدفع الفوائد على أذون وسندات الخزانة. 

وحذر الخبير الاقتصادي محمد العريان من مخاطر تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها، مع استمرار فشل الكونغرس في الاتفاق على رفع سقف الدين. وقال المستشار الاقتصادي لشركة "أليانز" في تغريدة على "تويتر": "أزمة سقف الدين الأميركية تهدد أكثر الرفاهية الاقتصادية للأميركيين واستقرارهم المالي، لا بل تهدد أيضًا بتقويض سمعة الولايات المتحدة دولياً بشأن الإدارة الاقتصادية السليمة، في الوقت الذي يرغب فيه البعض في قيام واشنطن بإعادة تأسيس دورها على المسرح الاقتصادي والمالي العالمي".

الحد الأقصى

ووصلت الحكومة الأميركية إلى الحد الأقصى لسقف الاقتراض عند 31.4 تريليون دولار خلال شهر مايو الجاري، تتوزع ما بين 24.5 تريليون دولار دينا عاما حكوميا، و6.88 تريليونات دولار ديونا غير حكومية، وفي حال أبقى الكونغرس سقف الدين كما هو ولم يرفعه فقد تكون الولايات المتحدة في خطر التخلف عن سداد الديون. 

في حال تخلفت الولايات المتحدة عن سداد ديونها، فسيكون ذلك سابقة تاريخية، ما سيؤدي إلى تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، ما سيتسبب برفع أسعار الفائدة على نطاق واسع للعديد من القروض وخاصة الاستهلاكية وهو ما يجعل منتجات كثيرة مثل قروض السيارات والرهون العقارية أكثر تكلفة للأسر التي تخضع لتغيرات أسعار الفائدة. 

وبمجرد وصول الإنفاق الحكومي إلى حد الدين المسموح به، فإن وزارة الخزانة الأميركية لا تستطيع بيع المزيد من السندات والأوراق المالية الأخرى لسداد ديونها ما لم يوافق الكونغرس الأميركي، وفي حال عدم الموافقة فهذا يعني أن الكثير من الموظفين الحكوميين لن يحصلوا على رواتبهم وربما يفقدون أعمالهم. 

تأثر الدولار 

ومن المؤكد أيضاً أن تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها سيؤثر عالمياً على الدولار، وهذا بدوره سيؤثر على الدول التي لديها مخزون احتياطي كبير من العملة الخضراء، فضلاً عن أن الدول التي تمتلك سندات أميركية سوف تتأثر بانخفاض أسعار هذه السندات. 

وفعلياً، تأثرت أسواق المال العالمية بالخلاف بين البيت الأبيض والكونغرس بشأن الحد الأقصى لسقف الدين، حيث صعد الدولار خلال تعاملات الأسبوع الجاري، مستفيداً من مكانته كملاذ آمن في ظل احتمال التخلف عن سداد الدين في الولايات المتحدة، إذ قلص المتعاملون مراهناتهم على أن يخفض مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) سعر الفائدة قريبا في أعقاب إعلان بيانات الإنفاق الاستهلاكي. 

وسجلت الأسهم الأوروبية تراجعا خلال الأسبوع الجاري مع استمرار قلق المستثمرين من نتائج مفاوضات رفع سقف الدين الأميركي وما إذا كانت ستؤدي إلى تجنب التخلف عن السداد، فضلا عن مجموعة نتائج أرباح ضعيفة تصدرتها شركات إدارة أسواق المال. 

فيما سجلت أسواق الأسهم الرئيسية في الخليج ارتفاعا، حيث تجاهل المستثمرون المخاوف المتعلقة بالمفاوضات الجارية لرفع سقف الدين لحكومة الأميركية. ولم يطرأ تغير يذكر على أسعار الذهب في ظل قلق المستثمرين حيال المفاوضات المطولة حول رفع سقف الدين الأميركي، كما ساهم ارتفاع الدولار في إبقاء الأسعار تحت السيطرة. 

نشر الفوضى 

ويخشى المراقبون أن إعلان الولايات المتحدة عن عدم قدرتها على سداد ديونها سيؤدي إلى نشر الفوضى داخل الأسواق المالية وخارجها، ما سيعيق قدرة الحكومة الأميركية على تمويل عملياتها بما فيها توفير عمليات الدفاع الوطني واستحقاقات الضمان الاجتماعي أو الرعاية الطبية، كما يمكن أن يؤدي التخلف عن سداد الديون إلى ارتفاع أسعار الفائدة، ما يعني ارتفاع مستوى الأسعار والمساهمة في ارتفاع معدل التضخم. 

ومن التداعيات التي يمكن أن يشهدها العالم أيضاً معاناة سوق الأسهم من حالة عدم اليقين وبالتالي تصبح الاستثمارات الأميركية غير آمنة كما كان ينظر إليها من قبل، وتزداد حدة المعاناة في حال تم تخفيض التصنيف الائتماني لها، إلى جانب حدوث تقلبات شديدة في سوق الأسهم تتمثل في تجميد أسواق الائتمان في جميع أنحاء العالم وانهيار أسواق الأسهم، بالإضافة إلى لجوء المستثمرين إلى بيع سندات الخزانة الأميركية ما يعني انخفاض قيمة الدولار، وهذا يجعل الديون المقومة بعملات دول أخرى أعلى تكلفة، الأمر الذي قد يهدد الاقتصادات الناشئة بأزمات الديون. 

طرق النجاة 

ويمكن للولايات المتحدة أن تتجنب التخلف عن سداد ديونها عن طريق زيادة حصيلة الإيرادات من خلال زيادة الضرائب فقط، أو من خلال تخفيض الإنفاق الحكومي فقط أو من خلال الإجراءين معاً، وتتجلى الإجراءات التي يمكن للولايات المتحدة اتخاذها في هذا الصدد في استخدام النقد المتداول أو إنفاق الإيرادات الواردة من الضرائب، واستخدام إجراءات غير عادية لتوفير الأموال عن طريق تعليق الاستثمارات الجديدة في صناديق التقاعد والإعانات الصحية. 

ويرى البنك الدولي في دراسة أجراها أنه في حال تجاوُز نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي77 بالمائة لفترة طويلة من الزمن، فسوف يؤدي ذلك إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وسيؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الأميركي والشعب في الولايات المتحدة. 

كما حذر صندوق النقد الدولي، نهاية الأسبوع الماضي، من أن التخلف عن سداد ديون الولايات المتحدة الناجم عن الإخفاق في رفع سقف ديونها ستكون له تداعيات خطيرة للغاية على الاقتصاد الأميركي وكذلك الاقتصاد العالمي، بما في ذلك ارتفاع تكاليف الاقتراض المحتملة، ودعا السلطات الأميركية إلى توخي الحذر بشأن نقاط الضعف الجديدة في القطاع المصرفي الأميركي، بما في ذلك البنوك الإقليمية، والتي يمكن أن تظهر، في ظل الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة. 

مخاوف الأسواق 

وعلى الرغم من نبرة التفاؤل التي أظهرها الرئيس الأميركي جو بايدن أخيرا وفي أكثر من لقاء، تجاه إمكانية تجنب تخلف الولايات المتحدة عن سداد دينها الذي قد يحدث خلال أسبوعين، إلا أن مخاوف الأسواق العالمية زادت مع تعليقات البيت الأبيض الذي يرى أن مسألة تحديد سداد الديون ما زالت معقدة وتُعتبر من القضايا الصعبة جدا على حد وصفه. 
ومن المقرر أن يجري الرئيس الأميركي مجددا محادثات هاتفية مع كبار المسؤولين في الكونغرس خلال الأسبوع الجاري، ثم يعقد اجتماعا معهم بعد عودته الأحد من رحلة إلى اليابان لحضور اجتماع مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى. وفي مؤشر إلى الوضع الملحّ وصعوبة المفاوضات، أعلن البيت الأبيض أن جو بايدن ألغى الجولة الدبلوماسية الرئيسية التي كان من المقرر أن يقوم بها خلال رحلته وتشمل بابوا غينيا الجديدة وأستراليا. 

مأزق سقف الدين يمكن أن يتسبب في ضرر جسيم للأعمال وثقة المستهلك في الولايات المتحدة الأميركية، ومن المؤكد أنه سيرفع تكاليف الاقتراض قصير الأجل لدافعي الضرائب، ويؤثر سلبا على التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، وإذا فشل الكونغرس في زيادة حد الدين فسوف يتسبب ذلك في معاناة شديدة للأسر الأميركية ويضر بمكانة أميركا القيادية العالمية ويثير تساؤلات حيال قدرتها على الدفاع عن مصالح أمنها القومي، بخلاف الانعكاسات الاقتصادية المتشعبة داخلياً وخارجياً. 

ومن المؤكد أيضاً أن الجمهوريين سيواصلون إصرارهم على الحصول على موافقة بايدن على تخفيضات كبيرة في الإنفاق مقابل دعمهم لرفع سقف الدين، متجاهلين دعوات الديمقراطيين إلى زيادة نظيفة في حد الاقتراض من دون قيود.