السوريون بين زلزالين

06 مارس 2023
عدد الأسر المتضررة بلغ 91 ألفاً و794 أسرة بعدد أفراد بلغ 414 ألفاً و304 أشخاص (فرانس برس)
+ الخط -

المشكلة أن لا ريختر يقيس شدة مآسي السوريين منذ انقلاب حافظ الأسد وحكم ثلاثين سنة بالقمع وسرقة المقدرات والتآمر، قبل توريث القاصر عام 2000، لتستمر الزلزلة وما تلاها من هزات ارتدادية لم تبق للسوريين أية بارقة، بعد خيبة التغرير عبر سفسطة وادعاءات الوريث عند بدايات مؤامرة نقل السلطة.

انتفض السوريون عام 2011 بعدما تأكدوا أن الولد سرّ أبيه، ساعين إلى الدولة والعدالة بتوزيع الفرص والثروة، فكان الزلزال الكبير عندما واجهوا الموت وحيدين ولم تهتز ضمائر العالم الديمقراطي لإنصاف طلاب العدالة المتمردين على المزرعة وحكم الرعيان. لتتوالى بعد ذلك الارتدادات على حلمهم لاثني عشر عاما كانت فاتورتها نصف السكان بين قتيل ومعاق ومهجّر، لتتخطى خسائر سورية تلك الناتجة من الحرب العالمية الثانية، بحيث تجاوزت تقديرات إعادة إعمارها 800 مليار دولار، وفق تصريح ألكسندر لافرنتييف، المبعوث الرئاسي الروسي لاجتماع "الدول الضامنة" في العاصمة الكازاخية نور سلطان في ديسمبر/كانون الأول 2021.

وجاءت تقديريات مبعوث صانع خراب سورية وداعم بقاء الوريث، بعد تقديرات "معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب" UNITAR عام 2019 لحجم الدمار الذي لحق بالمحافظات والمدن خلال سنيّ الثورة، والتي نافت مئة ألف مبنى، حصة حلب منها 35 ألفًا و722، في مشهد خراب لم تصل إليه الحروب العالمية.

قصارى القول: خرجت الأرقام شبه النهائية اليوم عن خسائر زلزال 6 فبراير/شباط الماضي، الذي طاول شمال سورية وغربها ووسطها، بعدما نكَب إحدى عشرة ولاية جنوبي تركيا، لتزيد المآسي وتعود المقارنات الموجعة جراء خلل المساعدات، بين مناطق المعارضة الأكثر تضررًا، ومناطق سيطرة نظام الأسد التي غدت شماعة ارتزاق وتبييض للجرائم.

فقد قالت "اللجنة العليا للإغاثة" في حكومة النظام السوري إن الوفيات بلغت 1414 وأُصيب 2357 سوريا، وعدد الأسر المتضررة بلغ 91 ألفًا و794، بعدد أفراد بلغ 414 ألفًا و304 أشخاص، كما بلغ عدد الذين أنقذوا من تحت الأنقاض 1553 شخصًا، والمفقودين ستة. تم تصنيف 4444 مبنى غير صالحة للاستخدام مع ضرورة تدعيم 29 ألف مبنى إما تصدّع أو أصبح آيلًا للسقوط.

في المقابل، وعلى الضفة المنسية المحررة، وبحسب تقرير "الدفاع المدني السوري"، بلغ عدد ضحايا الزلزال في شمال غرب سورية 2274 شخصًا و12400 مصاب، وزادت الأبنية المتهدمة، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) عن عشرة آلاف. 

ويأتي تهجير نحو 40 ألف عائلة، نازحة أصلا من قصف النظام وملاحقته، وجعًا على وجع، بعد أن ضنّ العالم المتحضر والداعم بالمساعدات، ريثما ينال موافقة نظام الأسد ويختم مسرحية الاجتماع الأممي، لتدخل أول شاحنة مساعدات في اليوم الخامس للكارثة، فيما لا تزيد المساعدات حتى اليوم على 395 شاحنة، في حين ناف عدد طائرات المساعدات الدولية لمناطق النظام، عدا الشحنات البرية، 264 طائرة بحسب صحيفة "الوطن" المملوكة من نظام الأسد. 

نهاية القول: بردت جراح الزلزال، أو تكاد، وبدأ يتعالى فحيح أسئلة أفاعي تلك الجراحات، بواقع حصار عقارب العالم أماني السوريين، فماذا سيحدث لو طردت تركيا نحو ثلاثة ملايين لاجئ إن تبدل الحكم وتغيّرت سياسة أكبر الدول استضافة للسوريين؟ وما احتمال قياس دول الجوار المستضيفة اللاجئين على دولة وصفت السوريين بالمهاجرين وأخذت لسنين موقع الأنصار؟ ثم أين يقيم أصحاب "التغريبات الثلاث" بواقع ضيق ودمار المنطقة المحررة؟!

 من أين سيعيد مهجرو الزلزال ترميم منازلهم بحيث تكون صالحة للعيش لا مقاومة لزلزال وارتدادات؟ ومن أين يعتاش نيّف وأربعة ملايين سوري في المناطق المحررة بعدما زاد الزلزال من قطع الأرزاق الذي ساهم العالم بصياغته، ليكون السوريون عبرة لكل من يتمادى بطلب الحرية والعيش الكريم. 

في المقابل، كيف سيستمر السوريون في مناطق النظام بأقل شروط العيش، في واقع موصوم بسرقة المساعدات وارتفاع الأسعار بأكثر من 50% بعد زلزال فبراير، وبانحراف الأضواء عن معاناتهم صوب مواجهة الكارثة بشعارات وأقاويل اختبرها السوريون على مدار ستين عامًا. 

أسئلة تكاثرت بعد الزلزال، وأوجاع تعاظمت بعد تحيّن الأشقاء، قبل الغرباء، كارثة السوريين ليسقطوا آخر أوراق التوت عن عورة تطبيعهم مع الأسد، ويبقوا الحالمين بعيش آدمي ليس إلا، أسرى بين زلزالين، الأخطر بينهما ما يمثله وريث الحكم وماله من أضعاف عقابيل غضب زلزال الطبيعة، إذ لا ترميم يُرتجى ولا أمل يُعقد إلا بالاجتثاث وإعادة البناء، من زلزال مدمر يهز سورية منذ خمسين سنة، واسمه "عائلة الأسد". 

المساهمون