الجنيه الضعيف يزيد الأسواق توحشاً في مصر

02 ابريل 2023
غلاء إضافي للسلع الغذائية وسط هبوط الجنيه (العربي الجديد)
+ الخط -

تشهد الأسواق المصرية ارتباكاً حاداً، بعد يومين من قرار البنك المركزي زيادة معدلات الفائدة 200 نقطة أساس، وتراجع قيمة الجنيه في السوق الموازية مقابل الدولار، مع انتشار مخاوف من مزيد من التدهور، خلال الأيام المقبلة، تحت ضغوط شح العملة الأميركية، وتراكم الواردات في الموانئ.

ويقبل أصحاب المدخرات بشكل متزايد على توجيه ما لديهم من سيولة لشراء الذهب، وأجهزة منزلية تصلح مخزناً للقيمة، وسط ازدياد ضبابية المشهد الاقتصادي والمالي في الدولة المثقلة بالديون.

وتأثرت الأسواق بالتراجع الحاد في الجنيه الذي تراوح سعره في السوق السوداء بين 36 و37 جنيهاً للدولار، حيث وزع موردو السلع الغذائية قوائم بالأسعار الجديدة لمنتجاتهم على مندوبي شركات البيع بالتجزئة، نهاية الأسبوع الماضي، بزيادة تراوحت بين 10% و20%. وشملت الزيادة أسعار منتجات الأجبان خاصة المستوردة، والزبدة، والزيوت، والبيض، والدواجن المجمدة والطازجة، خاصة المستوردة، والمقرمشات، والشيكولاته، والعصائر.

كما بدأت محلات الملابس عرض المنتجات الصيفية، بزيادة هائلة في ملابس الطبقات المتوسطة، تصل إلى 60%، بالمقارنة مع أسعار المنتجات نفسها المباعة العام الماضي، فيما يعتبرها أعضاء بالغرف الصناعية، مناسبة للارتفاع الهائل في تكاليف التشغيل التي منعت أغلبية المصانع من العمل أو تحميلها بالكامل على المستهلكين، منذ فرض القيود على مستلزمات الإنتاج مارس 2022.

رفع أسعار السجائر الشعبية

وطاول الغلاء "مزاج المواطنين" بأثر رجعي، حيث استبقت شركة الشرقية للدخان قرار البنك المركزي برفع أسعار الفائدة، ورفعت أسعار السجائر الشعبية، ما بين 3 و5 جنيهات، لمواجهة التكلفة في زيادة سعر الدولار، بعد تراجع أرباحها السنوية، التي تدر 86 مليار جنيه كإيرادات ضريبية تتوقعها الحكومة خلال العام المالي الجاري (ينقضي بنهاية يونيو/حزيران المقبل).

كذلك قفزت أسعار طن الأسمدة بين 1000 و1200 جنيه، ليرتفع سعر الطن من 9 آلاف إلى 10 آلاف جنيه في المتوسط، واكبها زيادة في أسعار الخضر والفاكهة، خلال اليومين الماضين، رغم ذروة موسم الحصاد، مدفوعة بزيادة الطلب في شهر رمضان وارتفاع التكاليف وارتفاع درجات الحرارة.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

في ظل تعقد المشهد المالي، يواجه السوق اختناقاً في العرض. ويقول محللون اقتصاديون لـ"العربي الجديد" إن ارتفاع الضغط على الجنيه في السوق السوداء دفعه للانخفاض مقابل الدولار من 35 جنيها الأربعاء إلى 37 جنيهاً خلال الساعات الماضية، بما أعطى مؤشراً على توجه الحكومة إلى التخلي عن سعر الصرف المدار، الذي جعل الدولار مستقراً عند مستوى أقل من 31 جنيهاً، خلال مارس/آذار الماضي.

ويتوقع محللون أن يواصل التضخم ارتفاعه لنسب تتراوح ما بين 36% إلى 38% على المدى القريب، بعد زيادة الفائدة إلى 19.25%، بين البنوك، والتي تزيد بحد أدنى 3% للمتعاملين.

كما يغذي عدم اليقين بشأن سعر الصرف، عدم تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، وتراجع تحولات المصريين العاملين في الخارج، بعدما سجلت في نهاية 2022 نحو 32.3 مليار دولار. وتعكس حالة السوق كذلك قلقاً لدى المستثمرين، وفقاً لوكالة بلومبيرغ الأميركية من "ارتفاع تكلفة الحماية من التخلف المحتمل عن سداد الديون".

خفض جديد في قيمة الجنيه

واعتبر محللون ماليون أن طرح البنك المركزي سندات خزانة لمدة 12 شهراً، الخميس الماضي، بقيمة 3.5 مليارات جنيه بعائد 22.68%، مؤشراً على توجه "المركزي" إلى خفض جديد في قيمة الجنيه، ورفع معدلات الفائدة، في الأيام المقبلة، عبر طرح شهادات ادخار تصدرها البنوك الحكومية، تتراوح ما بين 23% و26%.

ويرى وائل النحاس، خبير التمويل والاستثمار، في تصريح لـ "العربي الجديد" أن الزيادة في الفائدة على الجنيه بنسبة 2%، جاءت متأخرة عن موعدها، وبعد تفاقم طلب المستثمرين بزيادتها لتشجيعهم على الاستثمار المباشر.

وفي ظل الأجواء المالية المرتبكة يزداد التضخم توحشاً في مصر ليتخطى، وفق خبراء، التقديرات الحكومية كثيراً، وبحسب ستيف هانكي، أستاذ الاقتصاد في جامعة جونز هوبكنز الأميركية في دراسة بحثية، فإن معدلات التضخم الحقيقية، وفقاً لقيمة العملة المصرية وقوتها الشرائية، بلغت 109%، في فبراير/شباط الماضي، بزيادة 70% عن المرصودة من جانب البنك المركزي، عند 40.3%، خلال الشهر نفسه. وتظهر الدراسة، أن مصر أصبحت تحتل رقم 5 في قائمة الدول التي تشهد أعلى معدلات تضخم بعد فنزويلا وزيمبابوي ولبنان وسورية، وتأتي من بعدها الأرجنتين، وإيران، وجنوب السودان، وسيرلانكا، وكوبا، وغانا، وباكستان، وميانمار، ونيجيريا، وتركيا.

ويتوقع خبراء، سيناريو سيئاً للجنيه الضعيف، مع توافر كميات هائلة من السيولة النقدية، بعد بلوغ العملة المطبوعة نحو 12 تريليون جنيه، لن تستطيع أسعار الفائدة سحبها للبنوك، فضلاً عن زيادة مستحقات الديون، وعدم وضوح البيانات لدى البنك المركزي، حول التدفقات النقدية.

في الأثناء، يدفع التشدد النقدي إلى تباطؤ نمو الناتج الإجمالي الحقيقي، إلى 4.3%، خلال العام المالي الجاري 2023/2024. بينما تستهدف الحكومة جذب المستثمرين الأجانب لشراء الشركات العامة، بعد تعطّل التفاوض بشأن العديد منها مع مستثمرين وصناديق خليجية.

المساهمون