الجزائر: تحلية مياه البحر لمواجهة العطش

25 ابريل 2023
الجزائر تحوز على 24 محطة لتحلية مياه البحر لمواجهة نقص الإمدادات (فرانس برس)
+ الخط -

تتجه الجزائر بخطى متسارعة لتنفيذ العديد من مشروعات تحلية مياه البحر في إطار استراتيجية لتوفير ينابيع الحياة، بينما تواجه الدولة شحاً في المواد المائية بفعل الجفاف وتغير المناخ الذي أضحى يهددها.

وتركز الجزائر منذ نهاية 2019 جهودها لبناء أكبر عدد ممكن من محطات تحلية مياه البحر، مستغلة بذلك عاملي طول الساحل الذي يفوق 1200 كيلومتر، وارتفاع عائدات النفط والغاز في السنوات الأخيرة.

وشدّد الرئيس عبد المجيد تبون، في 16 إبريل/ نيسان الحالي، في اجتماع له مع الحكومة، على ضرورة تعميم محطات تحلية مياه البحر عبر كامل شريط الساحل الجزائري، كمخطط استراتيجي؛ خصوصا أن تكنولوجيا التحكم في محطات تحلية مياه البحر أصبحت جزائرية خالصة، بهدف توزيع المياه باستمرار في ظل حالة تذبذب تساقط الأمطار.

وحسب المعطيات التي اطلعت عليها "العربي الجديد" من وزارة الري الجزائرية، فإن الجزائر تحوز على 24 محطة لتحلية مياه البحر، 11 محطة منها كبيرة، بطاقة إنتاج إجمالية يومية تلامس 2.2 مليون متر مكعب، وبإجمالي المليار متر مكعب سنوياً تقريباً، وهو ما يمثل 18% من إجمالي مياه الشرب المستهلكة سنوياً.

فيما ستدخل 7 محطات جديدة، 5 منها كبيرة حيز الإنتاج مطلع العام المقبل 2024، ما سيرفع إنتاج محطات تحلية مياه البحر إلى 3.7 ملايين متر مكعب يومياً، ونحو 1.3 مليار متر مكعب سنوياً، على أن تنطلق أعمال بناء 5 محطات كبرى أخرى صيف العام الجاري 2023، بهدف الوصول إلى طاقة إنتاج يومية تلامس 5.5 ملايين متر مكعب يومياً، و2.5 مليار متر مكعب سنوياً، في رهان يحتاج إلى الكثير من الأموال والتكنولوجيا.

ويقول الخبير الاقتصادي جمال نور الدين في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الأمن المائي هو المرتكز الرئيسي لتحقيق الأمن الغذائي، والجزائر على غرار باقي دول العالم تعاني من تغير المناخ وما ينتج عنه من جفاف وتصحر وشح في الأمطار وتقلبات جوية غير متوقعة".

ويضيف نور الدين أن هذا الواقع يفرض اتباع مصادر بديلة لضمان استمرارية تموين المواطن بمياه الشرب، وكذلك الأنشطة الاقتصادية في قطاعي الزراعة والصناعة بهدف تحقيق الأمن الغذائي، لاسيما وأن الجزائر تقع في منطقة جغرافية ستتضرر من الارتدادات المناخية للاحتباس الحراري والتغير المناخي، وبحكم شريطها الساحلي، تبقى محطات تحلية مياه البحر ملاذا آمنا لمواجهة أزمة العطش.

ويشير إلى أن الجزائر ستضمن 60% من احتياجات المواطنين من استهلاك المياه في المناطق الشمالية في غضون سنة 2030، من خلال مشاريع تحلية مياه البحر، أما استعمالها في الجانب الاقتصادي فهو غير ممكن حالياً، لذا أمر الرئيس تبون بإنشاء وكالة خاصة لتحلية مياه البحر، تكون مستقلة عن الحكومة وذات تمويل خاص، وتعتبر هذه الوكالة الجديدة وسيلة لتنفيذ السياسة الجزائرية في مجال تحلية المياه، حيث يهدف نشاطها إلى تدعيم القدرات الوطنية في إنتاج المياه قصد توفير الأمن المائي.

وفي السياق، يقول جمال الدين كواشي، مدير المعهد الجزائري للري، إن عملية تسيير تحلية مياه البحر كانت تتأرجح بين وزارتي الموارد المائية والطاقة، وبإنشاء هذه الوكالة سوف تتضح الرؤية في ما يخص تسيير هذه الموارد المائية الهامة والتي سوف تغطي العجز الكبير الذي تعاني منه الجزائر.

ويضيف كواشي لـ"العربي الجديد" أن "الوكالة ستكون رافعة للبحث العلمي في مجال الري وسوف تساعد الباحثين على إجراء بحوثهم مع شريك وطني قادر على تدعيمهم".

ويبقى الإشكال حسب المراقبين في تمويل تكلفة إنشاء المحطات وتحلية مياه البحر على المديين المتوسط والبعيد، فإذا كان الإشكال لا يطرح في زمن الوفرة المالية، إلا أن سعر المياه المُدعوم يجعل العائدات المالية ضئيلة مقارنة بتكلفة الإنتاج.

ويرى الخبير الاقتصادي محمد باديس حسين أن "تحلية مياه البحر تحتاج إلى طاقة كبيرة، وقد فكرت الدولة سابقاً في إنشاء محطات للتحلية تعمل بالطاقة النووية غير أنه تم استبعاد هذا الحل، لأن قلب المفاعلات النووية يحتاج كمية كبيرة للمياه للتبريد وهو ما يتطلب أن تكون قرب الساحل، لكن الشريط الساحلي الجزائري نشيط زلزاليا، ما أدى إلى استبعاد الحل".

ويضيف أنه جرى أيضا التفكير في إنتاج الطاقة الكهربائية من السدود مثل سد بني هارون بولاية ميلة لكن تم التخلي عن هذه الفكرة أيضا لتتجه في الأخير لإنتاج الكهرباء عن طريق الغاز، لكن يبقى هذا الحل أيضا خطيراً كون احتياطي الجزائر من الغاز الطبيعي في تناقص مستمر وقد تضطر البلاد في 2030 إلى اختيار إما الاستهلاك الداخلي أو التصدير، وهو ما دفع بالتفكير في الطاقات المتجددة حاليا، لكن حتى هذا الحل، يبقى صعبا إلى حد ما، فالطاقة الشمسية التي توجد بالصحراء ولنلقها للشمال للساحل لإنتاج الطاقة الكهربائية التي تستخدم في تحلية مياه البحر تبقى تقنية معقدة على مستوى الساحل بسبب مناخ الساحل الرطب الذي يؤثر على جودة الإشعاع الشمسي.

ويتابع أن "مجمع سوناطراك يتحمل عبء تحلية مياه البحر وليس وزارة الري، حيث إن 93% من ميزانية وزارة الطاقة والمناجم توجه لمشاريع تحلية المياه؛ فتكلفة متر مكعب واحد من الماء المتأتي من تحلية مياه البحر تبلغ 140 دينارا، في حين يُباع اللتر الواحد بين 13 و20 ديناراً".

المساهمون