البنك الدولي وتوقعاته للدول النامية

البنك الدولي وتوقعاته للدول النامية

19 يناير 2022
مبنى البنك الدولي في واشنطن (getty)
+ الخط -

أصدر البنك الدولي، الأسبوع الماضي، تقريره الأحدث عن "آفاق النمو العالمي"، وتوقع فيه أن يشهد الاقتصاد العالمي تباطؤاً حاداً في معدلات النمو، بسبب التغيرات التي يشهدها العالم نتيجة لتزايد المخاطر الناجمة عن انتشار متحورات فيروس كورونا، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات التضخم والديون والتفاوت في الدخول، وخاصة في الاقتصادات الناشئة والنامية.

وتوقع البنك الدولي أن يُسجِّل معدل النمو العالمي تراجعاً ملحوظاً من 5.5% في 2021 إلى 4.1% في 2022، ثم 3.2% في 2023، مؤكداً أن التباطؤ المتوقع في الاقتصادات المتقدمة، ومنها اقتصادات الولايات المتحدة والصين، سيؤثر بالضرورة على الطلب الخارجي في اقتصادات الأسواق الناشئة والنامية.
وفي حين أشارت توقعات البنك إلى انخفاض معدل النمو في الاقتصادات المتقدمة من 5% في 2021 إلى 3.8% في 2022، ثم 2.3% في 2023، وهي وتيرة تكفي لاستعادة الناتج والاستثمار زخمهما الذي كان قبل تفشِّي الجائحة في هذه الاقتصادات، كانت التوقعات لاقتصادات الأسواق الناشئة والنامية أن يتراجع معدل النمو فيها من 6.3% في 2021 إلى 4.6% في 2022 و4.4% في 2023.

توقع البنك الدولي أن يُسجِّل معدل النمو العالمي تراجعاً ملحوظاً من 5.5% في 2021 إلى 4.1% في 2022، ثم 3.2% في 2023

وبحلول عام 2023، يقول تقرير البنك الدولي، ستكون جميع الاقتصادات المتقدمة قد أكملت تعافيها، لكن الناتج في اقتصادات الأسواق الناشئة والنامية سيظل منخفضاً بنسبة 4% عن مستوياته التي كانت سائدة قبل الجائحة.

وقال البنك إنه في كثيرٍ من الاقتصادات الهشة ستكون الانتكاسة أشد، إذ سينخفض الناتج في بعضها تأثراً بالصراعات وأشياء أخرى، لتشهد انكماشاً يصل في بعض الأحيان إلى 8.5%.

ومع عدم امتلاك الحكومات في كثيرٍ من الاقتصادات النامية والناشئة العديد من الخيارات في ما يتعلق بسياسات دعم النشاط الاقتصادي إذا اقتضت الحاجة، قال البنك إن هناك احتمال أن تتفاقم مخاطر حدوث اضطرابات اقتصادية إضافية جراء الموجات الجديدة لجائحة كورونا، واستمرار تعطُّل سلاسل الإمداد، والضغوط التضخمية، واشتداد مواطن الضعف المالي في أجزاء كبيرة من العالم.
شخصياً، وبعد العيش في أميركا لسنوات، ومتابعة أخبار صندوق النقد والبنك الدوليين عن كثب، فقدت الكثير من ثقتي في أغلب ما يصدر عنهما من تقارير، إلا أني لم أفقد ثقتي في كفاءة من يقومون بإعداد تلك التقارير، وهو ما جعلني أعطي بعض الأهمية لتقاريرهم العامة، التي لا تختص بدولة بعينها، والتي يبذل فيها الاقتصاديون الجهد لاكتساب ثقة من يقرأ، قبل أن تصدر التقارير الأخرى الخاصة ببلدانٍ بعينها، والتي تكون مسيسة في أغلب الأحيان، وهو ما دعاني لأخذ هذا التقرير وما فيه من توقعات/ تحليلات على محمل الجد.

تعاني مصر والسودان والأردن ولبنان وتونس والمغرب من مشكلات كبيرة بسبب عجوزات شبه دائمة في موازناتها العامة

لا يعنيني من الاقتصادات الصغيرة إلا الدول العربية، والتي ليس من بينها بالتأكيد اقتصادات دول الخليج المنتجة للنفط والغاز، والأخيرة ستكون لديها الفرصة خلال العامين القادمين على الأرجح لتعزيز اقتصاداتها مع قفزات متوقعة في سعريهما. أما البلدان غير المنتجة لهما، فتشير التوقعات لتعرضها لأزمات كبيرة، ربما لا تتمكن من تجاوزها بسلام دون دفع أثمان باهظة.

تعاني مصر والسودان والأردن ولبنان وتونس والمغرب من مشكلات كبيرة بسبب عجوزات شبه دائمة في موازناتها العامة وميزانها التجاري والحساب الجاري، وتعتمد في كثير من الأحيان على القروض الخارجية، وتقدم الكثير من التنازلات لجذب الاستثمارات الأجنبية، إلا أنها مع ذلك لا تنجح عادة إلا قليلاً.

ومع ارتفاع شبه مؤكد في معدلات الفائدة الأميركية خلال الشهور القادمة، ستقوم تلك الدول بالتأكيد، ومعها دول إنتاج النفط الغنية أيضاً، برفع معدلات الفائدة على عملاتها المحلية، إلا أن ذلك لن يكون كافياً، وعلى العكس، فقد يتسبب في تفاقم المشكلات لدى تلك الاقتصادات.

يتسبب كل رفع في معدلات الفائدة الأميركية، ولو بنسبة 0.1%، في نزوح جزء من الأموال الساخنة المستثمرة في أوراق الدين بالعملة المحلية لتلك الدول.

وعلى سبيل المثال، تشير بيانات البنك المركزي المصري إلى أن رصيد تلك الاستثمارات وصل في بعض الأوقات خلال العام الماضي إلى ما يقرب من 30 مليار دولار.

ولو خرجت تلك الأموال، أو حتى جزء صغير منها، تزداد الضغوط على العملة المصرية بالتأكيد، وتزداد الضغوط التضخمية.
ومع تراجع معدلات النمو في الاقتصادات الكبرى، يقل الطلب على صادرات الاقتصادات الناشئة والنامية، والتي يكون أغلبها مواد أولية، وتقل الاستثمارات الواردة من هناك إليها، وربما تتراجع السياحة الوافدة، لا بتأثير تباطؤ النمو وحده، وإنما أيضاً بسبب صعوبات السفر والخوف من التعرض للإصابة بالفيروس مع توسع وانتشار الوباء ومتحوراته.

مع تراجع معدلات النمو في الاقتصادات الكبرى، يقل الطلب على صادرات الاقتصادات الناشئة والنامية، والتي يكون أغلبها مواد أولية، وتقل الاستثمارات، وربما تتراجع السياحة

تسببت النزاعات السياسية في لبنان والسودان في اقتراب البلدين من حافة الانهيار، إن لم تكونا قد سقطا بالفعل، وتجاهد الدول الأربع الباقية للنجاة حتى الآن.
وفي حين تعتمد مصر والأردن بصورة واضحة على القروض الضخمة من السعودية والإمارات ومؤسسات الإقراض الدولية، تتعرض تونس والمغرب لضغوط كبيرة من صندوق النقد الدولي، والذي يستغل بدوره اللحظة لفرض بعض التوجهات السياسية التي ربما لا تروق لشعبي البلدين إذا استطلعت آراؤهما.
لا أقول إن انهيار الدول الست آتٍ لا محالة، وإنما هي مجرد محاولة للنظر بموضوعية لتغيرات متوقعة، أشار إليها البنك الدولي في تقريره، وتوقعها الكثيرون قبل البنك، بخصوص التأثيرات المحتملة لرفع معدلات الفائدة على العملة الأميركية، وتباطؤ معدلات النمو في الاقتصادات الكبرى، خلال الفترة القادمة.

ربما تكون الصورة ليست قاتمة كما أتصورها ويتصورها البنك الدولي، لكن في كل الأحوال ستكون الفترة الصعبة المتوقعة فرصة لتلك الدول لإجراء "إصلاح حقيقي" لاقتصاداتها، لا الإصلاح الذي يدعيه صندوق النقد الدولي، والذي يخدم مصالحه ومصالح مستثمريه ومقرضيه قبل مصالح الدول المعنية.
إصلاح يسمح لتلك الدول بتقليل عجز الموازنات وموازين التجارة والحسابات الجارية، ويمنحها استغناءً عن قروض واستثمارات الخارج المؤذية، ويحافظ على ثروات البلاد، ويخلق فرص العمل للشعوب.

فهل تستغل دولنا العربية الفرصة أم تستمر كعهدنا بها، في إضاعة الفرصة تلو الأخرى؟

المساهمون