أزمة اقتصادية غير مسبوقة تضرب سريلانكا: طوابير وقود ونقص غذاء ودواء

أزمة اقتصادية غير مسبوقة تضرب سريلانكا: طوابير وقود ونقص غذاء ودواء

30 مارس 2022
طابور طويل أمام محطة وقود (Getty)
+ الخط -

ينتظر السريلانكيون في طوابير طويلة للحصول على الوقود، فيما تشتد الحرارة وسط انقطاع التيار الكهربائي، ليقضي المواطنون المساء على ضوء الشموع. الغضب يتصاعد في الشارع بسبب أسوأ أزمة اقتصادية تمر على البلاد منذ الاستقلال في عام 1948.

وفرضت كولومبو حظراً واسعاً على الاستيراد في مارس/آذار 2020 لتوفير العملات الأجنبية اللازمة لخدمة ديونها الخارجية البالغة 51 مليار دولار. لكن هذا أدى إلى نقص واسع النطاق في السلع الأساسية وارتفاع حاد في الأسعار.

وتضاعفت الأزمة مع النقص الحاد في العملة الأجنبية الذي أدى إلى عدم قدرة الدولة على دفع ثمن الواردات الحيوية، فحصل شح في كل شيء من الأدوية المنقذة للحياة إلى الإسمنت.

طوابير الوقود الطويلة التي تبدأ قبل الفجر تحوّلت إلى منتديات للمظالم العامة، حيث يشتكي المواطنون بمرارة من سوء إدارة الحكومة، وسط قلق بشأن كيفية إطعام أسرهم مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

ما تفاصيل هذه الأزمة؟

قالت ساجياراني، وهي ربة منزل، لوكالة "فرانس برس" في كولومبو، بينما كانت تنتظر حصتها من الكيروسين الذي يستخدم لإشعال مواقد الطهي في الأسر الفقيرة في العاصمة، "لقد كنت أقف هنا منذ خمس ساعات".

أكدت أنها رأت ثلاثة أشخاص فقدوا وعيهم بالفعل، وتضيف: "لم أتناول أي شيء خلال فترة الانتظار الطويلة، أشعر بدوار شديد والجو حار للغاية، لكن ماذا يمكننا أن نفعل؟ إنها مشقة كبيرة".

الشاحنات في الميناء غير قادرة على نقل المواد الغذائية ومواد البناء إلى المراكز الحضرية الأخرى، أو جلب الشاي من المزارع المنتشرة حول التلال الداخلية الخضراء في سريلانكا.

توقفت الحافلات التي عادة ما تنقل عمال المياومة عبر العاصمة، وأوقفت بعض المستشفيات العمليات الجراحية الروتينية، وتم تأجيل امتحانات الطلاب هذا الشهر بسبب نفاد الورق في المدارس.

وقالت العاملة المنزلية فاديفو، لوكالة "فرانس برس": "أعيش في كولومبو منذ 60 عاماً ولم أر قط شيئاً كهذا. لا يوجد شيء نأكله ولا يوجد شيء للشرب. الساسة يعيشون في رفاهية ونحن نتسول في الشوارع".

في الوقت الذي كانت فيه سريلانكا تعاني من مشاكل اقتصادية حتى قبل انتشار فيروس كورونا، حيث واجهت صعوبات في سداد الديون الخارجية بموازاة بطء النمو، وجّهت سلسلة عمليات الإغلاق ضربة كبيرة للقطاع غير الرسمي، الذي يمثل ما يقرب من 60% من القوة العاملة في البلاد.

أدى فقدان الوظائف وانخفاض الدخل إلى زيادة الفقر في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة.

تشير التقديرات إلى أنّ نسبة الفقراء على أساس الدخل اليومي البالغ 3.20 دولارات قد نمت إلى 11.7% في عام 2020، أو بأكثر من نصف مليون شخص، من 9.2% في العام السابق، وفقاً للبنك الدولي.

تُظهر بيانات البنك المركزي أنّ الحكومة حددت أنّ 5 ملايين أسرة تعاني من "الوضع المالي الهش" وقدمت لهم بدلًا قدره 5000 روبية خلال عمليات الإغلاق بسبب كورونا.

لكن هذا لم يساعد إلا لفترة وجيزة، مع الانهيار الاقتصادي الأخير الذي تفاقم بسبب الصراع الروسي الأوكراني الذي أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط، ما جعل مشاهد اليأس والذعر أكثر شيوعاً.

وسجل التضخم في البلاد رقماً قياسياً بلغ 17.5% في فبراير/شباط وبلغ تضخم أسعار المواد الغذائية 25%.

وقال العديد من السريلانكيين إنهم يختارون الآن الأطعمة الأرخص ثمناً مع خفض فواتير الترفيه، مثل تناول الطعام بالخارج إلى الصفر. فيما أكد آخرون أنهم قلصوا تكاليف تعليم أطفالهم، بما في ذلك الرسوم الدراسية الخاصة.

انقطاع الكهرباء

وبدأت سريلانكا، اليوم الأربعاء، في فرض قطع قياسي للتيار الكهربائي لمدة 10 ساعات يومياً على مستوى البلاد مع نفاد الطاقة الكهرومائية بالإضافة إلى النقص الحاد في الوقود.

وقالت شركة الكهرباء الحكومية إنها تفرض قطع الكهرباء لمدة 10 ساعات بعد انقطاع سبع ساعات منذ بداية الشهر لعدم وجود زيت لتشغيل المولدات الحرارية، وفق "رويترز".

يتم توليد أكثر من 40% من الكهرباء في سريلانكا من الطاقة المائية، لكن معظم الخزانات كانت منخفضة المنسوب بشكل خطير بسبب عدم هطول الأمطار، حسب ما قاله مسؤولون.

معظم إنتاج الكهرباء من الفحم والنفط. كلاهما مستورد ولكن العرض غير متوافر لأن البلاد لا تملك ما يكفي من النقد الأجنبي لدفع ثمن التوريدات.

في غضون ذلك، قالت شركة "سيلان بتروليوم" (CPC)، الشركة الرئيسية لبيع الوقود بالتجزئة، إنه لن يكون هناك ديزل في البلاد لمدة يومين على الأقل.

كما ارتفعت أسعار الوقود بشكل متكرر مع ارتفاع البنزين بنسبة 92% والديزل بنسبة 76% منذ بداية العام.

قال مسؤولون إنّ الحكومة استغرقت 12 يوماً للعثور على 44 مليون دولار، لدفع ثمن أحدث شحنة من غاز البترول المسال والكيروسين.

لا أدوية في المستشفيات

ونفدت المستشفيات التي تديرها الدولة في سريلانكا من الأدوية المنقذة للحياة بسبب نقص الدولارات اللازمة لاستيراد الضروريات.

قال مستشفى بيرادينيا التعليمي الذي يخدم 2.4 مليون شخص في المقاطعة الوسطى إنه أوقف جميع العمليات الجراحية الروتينية وخرج من الأدوية المخدرة وغيرها من الضروريات للعمليات، بحسب ما أوردته "فرانس برس".

أكدت إحدى النقابات العمالية الرئيسية في مجال الصحة، أنّ المشكلة في بيرادينيا كانت شائعة في معظم المستشفيات الحكومية حيث لم يتم دفع رواتب الموردين لأكثر من ستة أشهر.

ولفت جراح في المستشفى الوطني الرئيسي في كولومبو إلى أنّ العاملين الصحيين يعانون من نقص في العديد من الأدوية الحيوية وطُلب من المرضى الذين يحتاجون إلى الأنسولين البشري إحضار أدوية خاصة بهم.

قال رافي كوموديش، رئيس جمعية تقنيي المختبرات الطبية: "الوضع خطير للغاية ونحتاج إلى مبادرة لإدارة الكوارث للتعامل مع الوضع المتدهور".

في غضون ذلك، قالت الحكومة إنها سمحت للموردين المتضررين من ارتفاع التكاليف برفع أسعار جميع الأجهزة الطبية بنسبة 30%، بما في ذلك الدعامات لمرضى القلب.

مساعدات متعددة الأطراف

وتسعى الحكومة للحصول على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي بعدما انخفضت احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية إلى 2 مليار دولار، انخفاضاً من 7.5 مليارات دولار عندما تولت الحكومة الحالية السلطة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

وتحاول سريلانكا الحصول على مساعدة البنك الدولي بالإضافة إلى خطة إنقاذ صندوق النقد الدولي. وقد تلقت بالفعل دعماً مالياً من الصين والهند على شكل خطوط ائتمان ومقايضات عملات.

ومع بقاء 2.31 مليار دولار فقط من الاحتياطيات، يتعين على سريلانكا سداد ديون تبلغ حوالي 4 مليارات دولار خلال الفترة المتبقية من هذا العام، بما في ذلك سندات سيادية دولية بقيمة مليار دولار تستحق في يوليو/تموز.

وفي مايو/أيار الماضي، وافق البنك المركزي البنغلادشي على مقايضة بقيمة 200 مليون دولار، وهي أول ترتيب مقايضة بين البلدين.

وفي أغسطس/ آب، تلقت سريلانكا حصتها البالغة 787 مليون دولار من مخصصات حقوق السحب الخاصة العالمية (SDR) البالغة 650 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. كان هذا جزءاً من الدعم الوبائي الذي قدمه المقرض واستخدمت الأموال لزيادة الاحتياطيات.

ومن المقرر أن يجري وزير الخارجية باسل راجاباكسا محادثات مع صندوق النقد الدولي في إبريل/نيسان.

وفي أغسطس/آب الماضي، تلقت سريلانكا الشريحة الأخيرة من قرض مشترك بقيمة 1.3 مليار دولار من بنك التنمية الصيني تم التفاوض عليه في عام 2020. وتلقى البنك المركزي السريلانكي مقايضة بقيمة 1.5 مليار دولار مقومة باليوان في ديسمبر/كانون الأول، والتي تم استخدامها مرة أخرى لزيادة الاحتياطيات.

تدرس الصين تقديم تسهيل ائتماني بقيمة 1.5 مليار دولار لسريلانكا، إلى جانب قرض منفصل يصل إلى مليار دولار طلبته الحكومة.

كذا أعلن بنك الاحتياطي الهندي، في يناير/كانون الثاني، عن مبادلة بقيمة 400 مليون دولار لمساعدة سريلانكا على تدعيم الاحتياطيات، كجزء من حزمة مساعدات.

وقعت سريلانكا اتفاقية للحصول على خط ائتمان بقيمة 500 مليون دولار لشراء الوقود من الهند في فبراير/شباط. في نفس الشهر، وقعت سريلانكا والهند خط ائتمان بقيمة مليار دولار لاستيراد الضروريات، بما في ذلك الغذاء والدواء.

سعت سريلانكا للحصول على حد ائتماني إضافي لا يقل عن 1 مليار دولار من الهند للمساعدة في جلب الضروريات مع استمرار النقص واندلاع الاحتجاجات. 

المساهمون