انتظار أم كلثوم في محطة قطار حيفا

انتظار أم كلثوم في محطة قطار حيفا

16 مايو 2014
كوكب الشرق
+ الخط -

زارت أسطورة الغناء العربي ( 1898-1975) فلسطين أكثر مِن مرّة، وبحسب الكاتب سليم نسيب في كتابه "أم كلثوم"، فإنّها "تبرّعت بريع إحدى حفلاتها في حيفا للنضال ضد الاحتلال البريطاني والهجرة اليهودية إلى فلسطين، حيثُ استُقبلت بحفاوة كبيرة ومُنحت لقبًا جديدًا هو كوكب الشرق".

ويستطيع الباحث اليوم العثور على إعلانين بتاريخين مختلفين، حيثُ غنّت أربع مرات؛ مرتين في مسرح أديسون (8-9 تشرين الأول/ أكتوير)، ومرتين في مسرح عدن (1و2 أيار/مايو). وفي الدعوتين حملت ثلاثة ألقابٍ مختلفة "بلبلة الشرق"، "فاتنة الجماهير" و"مطربة الشرق الوحيدة"، كما غنت في يافا وحيفا في جولتها الأهم في فلسطين عام 1935.

زيارات أم كلثوم المتكررة لفلسطين كانت أمراً طبيعياً لمغنية زمانها التي زارت دولاً عربية كثيرة، مثل تونس والمغرب ولبنان وسوريا والكويت والإمارات والسودان. في حين، نادرة جداً هي المناسبات التي غنّت فيها خارج العالم العربي.

ذكر الموسيقار المقدسي واصف جوهرية (1897-1973)، إنّ أم كلثوم التي وصلت إلى القدس، انتقلت إلى حيفا بالقطار، لتحيي ليلتين من العمر في "مسرح الانشراح"، وأخرى "في شارع الملوك".

وتأكيدًا على الرواية القائلة أنّ أم كلثوم نالت لقب "كوكب الشرق" أثناء زيارتها لمدينة حيفا، بعد تلقيها دعوة من شباب نادي الرابطة العربي عام 1928 التي يذكرها الكاتب سليم نسيب؛ يقول الكاتب الفلسطيني سلمان ناطور لـ "العربي الجديد": إنّ اللقب الذي نالته أم كلثوم، انطلق مِن مقهى "الشرق" في مدينة حيفا، وصفق لها الحضور، حيثُ أطلقت عليها إحدى السيدات الحيفاويات "كوكب الشرق".

من جهته يقول الفنان المسرحي المقدسي إسماعيل الدباغ إن "السيدة التي منحت أم كلثوم لقب كوكب الشرق انتهت بها أقدار اللجوء عام 1948 إلى أحد مخيمات سوريا والذي قد يكون مخيم اليرموك" ويضيف الدباغ بأن اسم تلك السيدة هو "أم خليل" بحسب روايات شفهية.

غنّت أم كلثوم أيضًا على خشبة مسرح "عين دور" بحيفا، ومِن ثمّ احتضنتها مدينة يافا، وعُلِق فوق مسرح "الحمراء" مجسّم لأم كلثوم في قلبِ المدينة التي كانت تعُجُ بحياة فنية وثقافية غنية؛ فيافا كانت تستقبل المئات من عشاق الغناء في أكثر من ستة مسارح محليّة، بحسب ما يؤكد الباحث اليافاوي سامي أبو شحادة.

قبل النكبة، غنت في فلسطين أشهر أصوات ذلك الزمن وطافت بين القدس ويافا وحيفا: فريد الأطرش وأسمهان وصباح وليلى مراد. وعرض فيها مسرحيون مثل نجيب الريحاني ويوسف وهبي الذي درّب فرقاً مسرحية فلسطينية، كما زار مدينة حيفا شعراء العرب البارزون في ذلك الزمن كخليل مطران ومحمد مهدي الجواهري.

ويضيف الكاتب ناطور: "زيارات أم كلثوم وغيرها من الفنانين والمثقفين لحيفا، دليلٌ على غنى الحياة الثقافية الفلسطينية وعلى أنّ حيفا بمعالمِها التي يحاولون طمسها، ستبقى شاهدًا حيّاً على الوجود الفلسطيني والتاريخ العربي للمدينة".

ويؤكِد الكاتب ناطور، ويوافقه الرأي الباحث أبو شحادة: "أنّ الوثائِق، والصور، والمعالِم كُلُها تشهَدُ على تاريخٍ فلسطيني ثقافي غاية في الغنى والتعدد، لا يُمكن محوه، وإنّ الانتحال وتغيير أسماء الشوارع، والتغني الكاذب بأم كلثوم في المناسبات الإسرائيلية، لن يُغيِّر مِن الواقع شيئا. أم كلثوم كانت تعشق أرض فلسطين، ومِن أجلِها غنّت، ولو كانَت على قيدِ الحياةِ، ما كانت لترضى استبدال فلسطين بالدولة العبرية، ولا كانت ستُصافِح صهيونياً، وما كانت لتتخلى عن أغانيها الثورية الخالدة: "أصبح عندي الآن بندقية/ إلى فلسطين خذوني معكم"، "راجعين بقوة السلاح"، "ثوار"، "إنا فدائيون" وغيرها من الأغاني".

أم كلثوم لم تنتظر إعجاب المستعمرين الغزاة، فقلوبِ المصريين والفلسطينيين والعرب جميعاً، تحتضن صوتها، وتتغنى بعظَمة مثالِها. وما زلنا في حيفا، ننتظر حتّى اللحظة وصول قطار كوكب الشرق من القدس.


* صحافية من حيفا/فلسطين

دلالات

المساهمون