الدخول الأدبي الفرنسي.. على شرف الرواية الأولى

الدخول الأدبي الفرنسي.. على شرف الرواية الأولى

07 سبتمبر 2018
(من الدخول الأدبي في فرنسا 2018، تصوير: دينيس ماير)
+ الخط -

في مقابل انخفاض عدد الروايات التي صدرت في موسم الدخول الأدبي الفرنسي هذا الشهر، مقارنةً بالعام الماضي، يبرز العديد من الأصوات الجديدة التي فضّلت أن تخوض تجربة الكتابة الروائية لأوّل مرة؛ إذ اختار 94 كاتباً الروايةَ من بين 567 إصداراً أدبيّاً صدرت خلال هذا الموسم، وهي حالةٌ لم يعرفها المشهد الثقافي الفرنسي منذ أكثر من عشر سنوات، حين شهد موسم 2007 صدور 102 عمل لروائيّين جدد من مجموع 727 عنواناً أدبياً.

يحضر في هذا الموسم كتّاب فرنسيّون، أو فرانكفونيّون بشكل عام، بأكثر من 380 رواية، وتُشكّل نسبة الأعمال الأجنبية ثلث الإصدارات. هكذا، فإن الإصدارات الروائية الأولى تُقدَّر بنحو ربع إنتاج دور النشر الفرنسية، وهو ما اعتبره فابريس بيولت، رئيس تحرير مجلّة "الكتب" الأسبوعية "اكتشافاً لأجيال جديدة من المؤلّفين".

وعلى ما يبدو، فإن صنّاع الكتاب، من ناشرين ومكتبيّين، في فرنسا، يراهنون على التجارب الروائية الأولى لجلب القرّاء الفضوليّين، ولترشيحها في المسابقات الأدبيّة الكبرى التي كثيراً ما ذهبت جوائزها في السنوات العشر الماضية إلى كتاّب غير معروفين. وهكذا، يبدو طبيعياً أن يغامر الناشرون بطبع ما بين 200 ألف إلى 500 ألف نسخة للعنوان الواحد.

من بين الروايات الصادرة أخيراً: "جاك في الحرب" للكاتب والممثّل الفرنسي فيليب توريتون (بلون)، و"ليلة صيف تقريباً" للفيتنامية تي تو (ريفاج)، و"الفكرة الكبرى" للفرنسي أونتون بيرابار (غليمار)، و"شارع الانتصار" للروماني الأصل دوف هوينيغ (روبار لافونت).

وإن كانت أعمال هؤلاء تتقاطع في مواضيع الحرب والأزمات والعلاقات الإنسانية، فإن كتّاباً آخرين اختاروا مقاربة قضايا اجتماعية ونفسية شائكة؛ كما هو الحال بالنسبة إلى الإيرانية عبروس شالماني في باكورتها الروائية "المنفيون يموتون من الحب أيضاً" (غراسيه)، والتي تفكّك إشكالية الهوية والمنفى، من خلال قصّة فتاة فرّت من نظام الخميني إلى باريس، بينما تُثير البلجيكية أدلين ديودونيه في "الحياة الحقيقيّة" مسألة العنف الأسري من منظور طفلة موهوبة.

وتسلّط "دار ألبان ميشال" الضوء على المرأة الكاتبة، من خلال تقديم أسماء روائية جديدة للقارئ باللغة الفرنسية؛ من بينها: إيناس بيارد مؤلّفة "تعاسة الأسفل"، والتي تسرد فيها بأسلوب بوليسي تراجيديا امرأة اغتُصبت من قبل مديرها، فيما تعود أوريلي رازامبو في "حياة من الحجارة الساخنة" إلى الثورة الجزائرية وجراح الذاكرة بين البلدين.

وعموماً، تحضر المرأة الكاتبة بنسبة 43% خلال هذه السنة، مقابل 9% فقط عام 1986 بحسب إحصائيات نشرها "المركز الوطني للكتاب" وصحيفة "لوموند".

وبالتأكيد، فإن القرّاء ينتظرون روايات دون غيرها، بفضل قوّة الدعاية أو شهرة مؤلّفيها، ومن بينها: "أسماء خنثوية" للبلجيكية إميلي نوتومب (ألبان ميشال)، و"منعطف في الحياة" للفرنسية كريستين أوغو (فلاماريون)، و"العالم في متناول يديك" لمواطنتها مايليس دو كيرونغال (غاليمار). يُمكن أن نذكر هنا، أيضاً، روايتَين صدرتا عن "دار سوي"؛ هما: "اللقالق الخالدة" للكونغولي ألان مابونكو، و"منتصف النهار" للفرنسية كلويي كورمان.

أمّا الروايات المترجَمة، فهي في أغلبها قادمة من فضاءات الأدب الأنكلوسكسوني؛ ومن بينها: "بيت غولدن" للبريطاني من أصل هندي سلمان رشدي (أكت سود)، و"عاهل الظلال" للإسباني خافيير ساركاس عن دار النشر نفسها، إضافة إلى "المرأة على انفراد" للأميركية فيفيان غورنيك (ريفاج)، و"المسلخ الزجاجي" للجنوب أفريقي الحائز على "نوبل للآداب" عام 2003، جون ماكسوال كوتزي، والتي صدرت عن "دار سوي".

أيضاً، يحضر الكتّاب العرب الفرانكفونيّون بشكل بارز هذا الموسم، وفي الأغلب بنصوص سردية تنافس أعمال زملائهم الفرنسيّين في جماليات لغة موليير، وإن هيمنت عليها قضايا المهاجرين والتطرّف والعنصرية وإرهاصات التاريخ المشترك بين بلدانهم المغاربية والمستعمِر القديم، كما تستحضر إشكاليات معقّدة تتخبّط فيها مجتمعاتهم الأصلية؛ كما في رواية الجزائرية نينا بوراي "طبيعة كلّ الرجال الرغبة في أن يعلموا" (جي سي لاتاس)، والتي تروي فيها ليالي مراهقتها، وما عانته من تيه وتمزّقات في البحث عن الحب الممنوع، وهو بحثٌ تحوّل إلى نضال من أجل إثبات هويّتها.

وفي روايته "خليل" (دار جوليار)، يعود مواطنها محمد مولسهول، المعروف باسم ياسمينة خضرا، إلى "موضوع الإرهاب" الذي تناوله في عدد من رواياته والذي يبدو محبّذا لدى السوق الفرنسي؛ مثل: "خرفان المولى"، و"موريتوري"، و"بم تحلم الذئاب"؛ حيثُ يتناول العمل الجديد الاعتداءات الدامية التي استهدفت العاصمة الفرنسية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015؛ حيث يغوص في أغوار نفسية شاب متشدّد من أصول مغربية، ويشرّح الأسباب التي دفعته إلى تبنّي الفكر الجهادي وتسبّبت في فشله في الاندماج داخل النسيج الاجتماعي الأوروبي.

لقي عمل صاحب "فضل الليل على النهار" اهتماماً في كثير من وسائل الإعلام الفرنسية، إضافة إلى إقبال جماهيري في عدّة مدن في الغرب الجزائري؛ مثل وهران وسيدي بلعباس وتلمسان، والتي اختارها المؤلّف كمحطّات أولى لتوقيع كتابه الذي صدر، في الوقت نفسه، عن "منشورات القصبة" في الجزائر.

ثيمة الإرهاب أيضاً واللعب الفج على الإسلاموفوبيا تحضر في رواية بوعلام صنصال "قطار إيرلغن أو تحوّلات الرب" (غاليمار)، والتي تبدو امتداداً لروايته السابقة "2084"؛ إذ تُضيء على عواقب "التشدّد الديني" على "المجتمعات الهشّة والخاضعة للأنظمة الديكتاتورية".

أمّا الكاتبة المغربية، مريم العلوي، فتُزاوج في روايتها الأولى "تخرج الحقيقة من فم الحصان" (غاليمار)، بين لغة موليير والمحكية الشعبية المغربية، ضمن أسلوب حيوي غنيّ بالصور. ويسرد العمل سرد قصّة "جميعة" التي دفعتها ظروفها القاسية إلى بيع جسدها من أجل توفير لقمة العيش لابنتها الصغيرة.

هذا التقليد الثقافي، وإن كان يستبق موسم الجوائز الأدبية في الخريف، فإنه يكشف عن قوّة صناعة الكتاب في فرنسا، وتسويقه في مستوى لاحق؛ حيث بيعت ثلاثة ملايين ونصف مليون نسخة العام الماضي، وهي أرقام تجعل الفرنسيّين يحتلون المرتبة التاسعة عالمياً كأكثر الشعوب إقبالاً على القراءة.

وعلى صعيد آخر، يمكن أن نلاحظ الاهتمام الكبير للإعلام الفرنسي بدفع صناعة النشر، والذي يعكسه الترويج للإصدارات الجديدة، من خلال عروض الكتب واستضافة المؤلّفين، إضافة إلى تنظيم احتفاليات كبيرة؛ مثل تظاهرة "غابة الكتب" التي أقيمت في 26 آب/ أغسطس الماضي؛ حيث التقى الآلاف من القرّاء مع 130 كاتباً من الذين تحضر أعمالهم في الدخول الأدبي الحالي.

دلالات

المساهمون