في الحقيقة، يبقى حضور ابن خلدون غير خفي تماماً، ومساهماته في البناء العلمي الذي وُضعت أعلى لبناته لا تنكر، غير أن الأمر لا يمكن أن نسمّيه "أبوية"، بل ربما جرى تسويق هذه المقولة عندنا حصراً كي تنتج في الأخير حالة من الرضا عن النفس، فكأنما حضارتنا أدّت واجباتها للفكر البشري ويمكن أن تفرغ لشؤون أخرى.
ما الذي يفسّر إذن غياب ابن خلدون، وأننا لا نجد من يتعصّب له مثلما يتعصّب بعضهم بيننا لأفكار ماركس أو نيتشه وغيرهما كثير، أو أن يميل بعض آخر لأحد الطرفين في خصومات جان جاك روسو وفولتير.
لقد دخل ابن خلدون الفكرَ الغربي وجرى هضمه على مراحل، ولعلّ هذا كل ما نحتاج إليه، أن تأتيتنا علوم الغرب ومعارفه فنهضمها ثم لا نجد بعدها حاجة إلى الأسماء والعناوين الكبيرة. قبل ذلك، قد يتساءل بعضهم: هل نحن من جهتنا هضمنا ابن خلدون، قبل المرور إلى ما أتى به أبناء الثقافات الأخرى؟