فيرناندو ريندون: المصلحة الروحية للإنسانية

فيرناندو ريندون: المصلحة الروحية للإنسانية

27 يونيو 2016
فيرناندو في "مديين"/ تصوير: نتاليا ريندون
+ الخط -

"إليوسيس لأجل تجاوز حالة الهمجية، وأرثور رامبو لأجل إحداث تحوّل في الحياة" كان هذا شعار الدورة 26 من "المهرجان العالمي للشعر بمديين" في كولومبيا، وككل عام تشهد عاصمة منطقة أنتيوكيا حضوراً مميزاً للشعر والشعراء من مختلف بقاع العالم.

ويأتي استحضار أسرار إليوسيس في هذه الدورة، احتفاء بالطقوس الإليوسيسية التي كانت تقام في بلاد اليونان القديمة لديميتر إلاهة الطبيعة والنبات والزراعة وابنتها برسيفون التي كان قد اختطفها هاديس إلى العالم السفلي حسب الميثولوجيا الإغريقية، ففرضت عودتها من العالم السفلي بإصرار من أمها بعد أن تزوجها هاديس وأكلت من طعامه، وبقيت موزعة بين العالمين، إذ كانت عودتها مع أول الربيع كل سنة لتقضي مع أمها ثلثي العام، فيصادف ذلك مواسم الخصب والإثمار والإزهار.

لكن أسرار إليوسيس لم يكن ليكشف عنها أحد تحت طائلة الموت، بل تمّ استحضار هذه الطقوس من خلال إشارات واضحة في أعمال كل من هوميروس وسوفوكليس.

وقد وجّه المهرجان دعوة خاصة للشاعر الفلسطيني السجين في السعودية أشرف فياض، وفي الوقت نفسه بعث رسالة مفتوحة وجهتها 22 من الشخصيات الحائزة على "جائزة نوبل البديلة" إلى السعودية عبر سفاراتها، يطالبون فيها بإطلاق سراح الشاعر الفلسطيني الأسير الذي يقبع في أحد سجون المملكة مسلوب الحرية على خلفية "وشاية وحكم ملفقين".

مدير "مهرجان مديين"، الشاعر الكولومبي فيرناندو ريندون قال لـ "العربي الجديد": "تمّت دعوة الشاعر الفلسطيني أشرف فياض ليشارك في المهرجان مع الرسالة المفتوحة، لإشعار السعودية بحجم القلق والاستنكار الذي نشعر به كلنا عندما يقبع شاعر وراء القضبان، ولكي نمارس حقنا في الضغط على الذين ينتهكون الحرية الشخصية للشعراء وغيرهم في العالم، لكننا لم نتلق أي رد إيجابي. ففضلاً عن تضامننا مع العمل الشعري لفياض الذي يجب أن نستمر في الدفاع عن قضيته والنضال من أجل أن ينال حريته.. لقد انصرم زمن طويل ومديد بين لحظات مشرقة كانت فيها الثقافة العربية تحتفي بالشعر وذلك بكتابته على ألواح ذهبية وبين زمننا الراهن الذي غدا الشعر يُقمع، بل ويُرَكَّعُ".

وعن حضور الشعر العربي في مهرجان مديين، والصورة التي ينقلها إلى الفضاء الأميركي-لاتيني يعتبر ريندون أن "للشعر العربي جذورا عميقة في العراقة وفي الإنسانية، وقد ساهم في تشييد تراث شعري إنساني عالمي على امتداد كل العصور والأزمنة، خصوصاً عندما يُصاغ من كيمياء طبيعة روحية عميقة، ومن عطشٍ أساسيٍّ للجمال الشاسع للوجود، ومن الحث المقدس على الصداقة والأخوة والنضال من أجل الحرية".

وعمّا إذ كان يعتقد أن ثمة جسرا شعريا يُشيَّد بين أميركا اللاتينية والعالم العربي من خلال المهرجانات وحركة الترجمة والنشر في الاتجاهين العربي والهسباني، يرى ريندون أنه "في سنوات قليلة عاش العالم مخاض ثورة شعرية عالمية، مع نشوء مهرجانات عالمية للشعر بلا حدود، لقاءات ومنشورات ومدارس وورشات للكتابة.

وهذه الظاهرة لم تسْتَثْنِ العالم العربي ولم تكن غريبة عليه، شعراؤه سجلوا حضورهم المميز في العديد من بلدان أميركا اللاتينية، وشعرهم تم الاحتفاء به ونشره، وقد ساهم المهرجان العالمي للشعر بمديين بنصيبه الفاعل في بناء جسور جديدة بين تقاليد الشعريتين العربية والأميركية اللاتينية، العديد من الشعراء العرب الأساسيين المعاصرين قرأوا أشعارهم الاستثنائية في مديين. شعراء وشاعرات على درب الحرية والإبداع والتخييل الشعري والنضال من أجل إنسانية حرة ومتآخية. عوالمنا تتقارب وتتعارف فيما بينها. نحن جد سعداء بكل ما تحقق ونتجه لتدعيم وتقوية هذا التبادل المخصب والاستراتيجي وجعله غير قابل للتراجع لأجل المصلحة الروحية للإنسانية".

أما احتفاء المهرجان بالشاعر الفرنسي أرثور رامبو، فبكونه "الشاعر الذي يعتبر مركزاً لزلازلَ شعريةٍ في العديد من البلدان في القارات الخمس، فبعد موت عبقري الشعر الفرنسي، تلقى العالم نفساً جديداً وطرياً على المستوى الشعري، وجرَّب طرقاً جديدة من الاستلهام الساحر والمُسكر على مستوى الكتابة تحت تأثير قصائده وحيواته التي أعلنت التمرد والعصيان".

وبمناسبة هذا الاحتفاء وبتنسيق مع "متحف رامبو" ومع بلدية مدينة شارل فيل ميزيير التي شهدت ميلاد الشاعر الفرنسي، عرضت العديد من الأمتعة الشخصية لرامبو، بما في ذلك مخطوطاته وكتبه وشرائط وثائقية عنه وقصائد مغناة له، وألقى إدغار موران محاضرة أساسية عن عمله الشعري المعنون بـ"المركب السكران"، كما قدّم الشاعر الكولومبي مانويل روكا أنطولوجيا شعرية تضم منتخبات من قصائد ورسومات الشاعر، إضافة إلى محاضرات ولقاءات من بينها لقاء مع كاتب سيرة رامبو ألان بورير.

وقد شارك في القراءات والأمسيات الشعرية هذه السنة شعراء من كولومبيا والتشيلي والمكسيك والأرجنتين والبرازيل والدنمارك والإكوادور والسلفادور وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا والنرويج والسويد وبولونيا وسويسرا وباناما وفنزويلا وكوبا وفيتنام والدومينيكان والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وجنوب أفريقيا وزيمبابوي والهند والصين.

ومن العالم العربي شارك عاشور الطويبي من ليبيا ومحمد الديب من مصر وعلي الحازمي من السعودية وعائشة البصري من المغرب ودنى غالي من العراق.

المساهمون