لحظة الفرادة.. منبع هذا الكون

لحظة الفرادة.. منبع هذا الكون

12 ديسمبر 2015
من سديم "رأس الحصان" (ناسا)
+ الخط -

قبل أن يضع ألبرت آينشتاين (1879 - 1955) نسبيّته العامة، التي أصبح عمرها قرناً من الزمن، كانت الفيزياء الكلاسيكية قد صمدت 200 عام، قبل أن يتهاوى كثير من قوانينها ونظرياتها أمام النسبية التي باتت تُعدّ، رغم كلّ ما قدّمته وتقدّمه، كلاسيكية، في مواجهة الفيزياء الكمية (ميكانيكا الكم) التي لم يتقبّلها آينشتاين كثيراً، مع أن نسبيّته (الخاصّة تحديداً)، ساهمت، بشكل أو بآخر، في التأسيس لها.

اللافت في الأمر، أن آينشتاين يُحسب، فلسفياً، على العلماء النظريين، الذين يُشكّلون امتداداً لفلسفة أفلاطون الذي يقول إن "الحقيقة المُطلقة تمثّل مستوى من الكمال والنظام لا نستطيع سوى أن نتصوّره، لأن العالم المادي الذي نعيش فيه مشوّش وغير كامل". في المقابل، فإنّ عالم الفيزياء البريطاني، ستيفن هوكينغ (1942)، هو الآخر من القائلين بهذه الفكرة الأفلاطونية، رغم أنّه "كُموميٌّ" بامتياز.

تُخالف هذه الأفلاطونية ما ذهب إليه أرسطو الذي كان مُنحازاً إلى الاستقراء؛ حيث رأى أن الحقيقة لا يمكن التثبّت منها نظرياً على الإطلاق، بل من خلال الملاحظة والتجربة. ولا يزال العلماء، حتى يومنا هذا، منقسمين بين مقولتي أفلاطون وأرسطو، ويندر أن نجد أحداً يوازن بينهما، أو يحاول التحرّك باتّجاه توفيقي بين الفلسفتين، إلى درجة أن بعض العلماء، مثل كارل بوبر (1902 - 1994)، يرى أن النظرية تُصاغ أوّلاً، ثم تُصنّف علميةً، إذا كانت قابلةً للاختبار من خلال التجربة والمُشاهدة.

من جهته، دافع برتراند رسل (1872 - 1970) عن استقرائية أرسطو التي كانت تشكّل منهجاً بالنسبة إليه؛ إذ يرى أنه "كلّما ازداد رصد ظاهرة ما، جنباً إلى جنب، مع ظاهرة أخرى، فمن المرجّح أن بينهما صلة سببية بصورة من الصور".

ما يزال العلماء، حتى يومنا هذا، بغضّ النظر عن توجّهاتهم بين المذاهب (كمومية ونسبية، أو أفلاطونية وأرسطوية)، يخوضون جدلاً حول مسائل عدّة، مثل الزمن واللازمن، والأكوان المتوازية، ونظرية الأوتار الفائقة.. والانفجار الكبير.

تكمن المعضلة في أن هناك من "يمنع" السؤال عمّا قبل هذا الحدث الأخير، الذي يُسمّى بـ "لحظة الفرادة"؛ إذ ثمّة من يقول إنّ الحديث عمّا كان موجوداً قبل الانفجار الكبير، لا معنى له. إلى جانب ذلك، يُقال في بعض الشروحات، إن بُنية عقل الإنسان، قائمة على مفهوم السببية؛ لهذا يصعب إدراك فكرة أنّ لا شيء كان قبل هذا الانفجار، وأنه حدث من دون سبب.

على الطرف المقابل، هناك من يهاجم أطروحة الانفجار الكبير، كما فعل العالم السويدي هانس ألفن عام 1978؛ حين رأى أنها ليس سوى عودة إلى كوزمولوجيا أسطورية في الأساس: "الانفجار الكبير أسطورة، أو ربما أسطورة رائعة، ترقى إلى الأسطورة الهندية عن الكون الدَّوري، والبيضة الكونية الصينية، وأسطورة الكتاب المقدّس عن الخليقة في ستة أيام، والأسطورة البطليموسية..".


اقرأ أيضاً: جينالوجيا الأخلاق وورثة تشريح الضمير

المساهمون