منير العَرقي.. رمزية العمى على الخشبة
قدّم المخرج والممثل التونسي منير العرقي (1962)، خلال العقدَين الماضيَين مجموعة من الأعمال المسرحية المُقتبسة عن نصوص لعدد من الكتّاب، مثل أنطون تشيخوف، وجان أنويه، وباتريك زوسكيند، وهارولد بنتر، وإميلي نوثومب، وغيرهم.
في عرضه الجديد "ما يراوش"، يذهب إلى مسرح الدُّمى ضمن معالجة موجّهة للكبار عن نصّ للكاتب البلجيكي موريس ماترلينك (1862 - 1949)، من إنتاج "مختبر العرائسيّين الشبّان" الذي يهدف إلى توظيف تقنيات التحريك، والأداء التمثيلي، والغناء والرقص والسيرك، في فنون العرض المسرحي.
تُعرض المسرحية عند العاشرة من مساء غدٍ الإثنين في "قاعة المُبدعِين الشبّان" بـ"مدينة الثقافة" في تونس العاصمة، حيث يُشارك في التمثيل وتحريك العرائس كلٌّ من: نادر بلعيد، وهيثم وناسي، وفاطمة الزهراء المرواني، وأسامة الماكني، وهناء الوسلاتي وأسامة الحنايني، وإيهاب بن رمضان، وأميمة المجادي، ومحمد الطاهر العابد، وعبد السلام الجمل.
عنوان المسرحية جاء تحويراً باللهجة التونسية الدارجة لعنوانها الأصلي "العميان"؛ والذي يروي حالة انتظار مجموعةٍ من المكفوفِين؛ رجال ونساء ومعهم طفل واحد، في جزيرة مُترامية الأطراف عودة "الكاهِن/ الشيخ" الذي أخرجهم من الملجأ وقادهم نحو الغابة، ثم تركهم لأجل إحضار الماء والخبز، ووعدهم بأنه سيرجع حتى يقودهم إلى مكانٍ آمِنٍ قبل شروق الشمس.
وسط حالات الترقّب والقلق والخوف، يتحرّك الممثّلون الذين يحاولون تمضية الوقت وإشغال أنفسهم بمشاركة أحلامهم، حتى يصلهم صوتُ نُباح الكلب الذي يدلّهم بدوره على مكان "الكاهن/ الشيخ"، ليجدوا جثّته طافية فوق الماء، وهنا يُصاب الجميع باليأس تعبيراً عن فقدان الطريق وينطلق الطفل حينها بالبكاء.
تتدافع الدُّمى في لحظة تِيهٍ وضياع، وتتعاظم لديها الأسئلة التي تعكس مشاعر الجماعة التي تتحرّك بشكل قطيعي، وتخسر بغتةً شعورها بالأمان، عقب غياب القائد "المُخلِّص" وهيمنته المُطلقة على حياتهم وأفكارهم ورغباتهم ونظرتهم للمستقبل.
تتعدّد الإحالات الرمزية في العمل بأكثر من مستوى، فهي تتناول مفهوم البطل في وعي الجَماعة، والحاكم المُستبدّ الذي يتحكّم بشعبه ويتركه للفوضى في حال إنهاء حُكمه، وهي بمعناها الأوسع تتحدّث عن معنى وجود الإنسان في الكون، كما تقدّمه العقائد والرؤى الميتافيزيقية.
يتضمّن الحوار دلالاتٍ رمزيّة مُختلفة لفكرة فقدان البَصر أو العمى أو انعدام الرؤيا، فالظلام بالنسبة للمكفوفين هو تمثيلٌ لغياب الوعي طوال حياتهم، واعتمادهم بالكامل على قائدٍ يرى ويفكّر بالنيابة عنهم، وحين مات تكشّف المعنى الحقيقي لـ"العمى".
