محمّد م. الأرناؤوط يؤرّخ أثر النخبة الألبانية في سورية

15 يونيو 2023
عمل لـ زهير جلال الدين، أحد الفنانين الذين يتوقف الأرناؤوط عند تجاربهم في كتابه
+ الخط -

واحدة من أبرز المسائل التي يضيئها المؤرّخ الكوسوفي السوري محمد م. الأرناؤوط في عدد من دراساته، التشابكُ الثقافي والفكري في جغرافيا ممتدّة من أقصى الشرق العربي مروراً بتركيا ووصولاً إلى البلقان، في لحظة قلقة على المستويين السياسي والفكري عاشتها الدولة العثمانية منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى سقوطها.

لا تكمن أهمية تلك اللحظة في توثيق جوانب عديدة تمّ إغفالها لأسباب شتى، إنما لتداعياتها التي لا يزال بعضها حاضراً حتى اليوم في حياة الشعوب التي خضعت للحكم العثماني آنذاك، كما في كتابه "هجرة الألبان إلى دمشق في القرن العشرين وإسهامهم في الحياة الثقافية" الذي يوقّعه في حفل تنظّمه "الآن ناشرون وموزّعون" عند السابعة من مساء اليوم الخميس في جناحها (H4-48) بـ"معرض الدوحة للكتاب".

الحفل الذي يُقام بالتعاون مع سفارة جمهورية كوسوفو في العاصمة القطرية، يُشهِرُ كتاباً يستعيد الأدوار التي لعبتها النخبة الألبانية في المجتمع السوري خلال مئة عام، استناداً إلى وثائق تاريخية رجع إليها المؤلّف الذي ينتمي إلى أسرة ألبانية هاجرت من كوسوفو عام 1930 إلى العاصمة السورية، قبل أن يعود إلى بلده الأصلي بعد عقودٍ عدّة.

يستعيد الكتاب الأدوار التي لعبتها النخبة الألبانية في المجتمع السوري خلال مئة عام

يدرس الأرناؤوط مخطوطات تركها الجيل الأول، وهي ــ على قلّتها ــ توضّح بداية نشوء المجتمع الألباني في الشام وتفاعله فيها، إلى جانب "مذكّرات" مخطوطة وضعها أبناءهم من الجيل الثاني يُنشَر بعضها لأول مرة، وتبيّن السياقات الصعبة التي واجهت هجرة الألبان إلى المنطقة العربية، وظروف تعليمهم، وانخراطهم في الحياة اليومية، وكذلك الصور الفوتوغرافية التي توثّق حياة المهاجرين الأوائل.

ويعود إلى تجارب أبناء الضبّاط والجنود الألبان الذين خدموا في الجيش العثماني في دمشق وريفها، حيث برز جيلٌ جديد ممّن تشرّبوا العربية وكانت لهم إسهامات ريادية في الشعر والقصّة والرواية والصحافة والدراما الإذاعية والمسرح والسينما في سورية المعاصرة، مقابلَ حضور النخب الدينية من خلال عدد من الصوفيين، قبل ظهور السلفية الجديدة مع انطلاق محمد ناصر الدين الألباني بنشاطه الدعوي عام 1954 في العاصمة السورية.

غلاف الكتاب

في الفن التشكيلي، يستعرض تجربتَيْ عبد القادر أرناؤوط (1936 - 1992)، الذي وظّف الحروفيات ضمن الحداثة الفنية التي درسها في باريس، وكتَبَ الشعر أيضاً، وزهير جلال الدين (1955) في فترة لاحقة من خلال أعماله التي صوّرت العديد من المعالم التاريخية الدمشقية. وفي الأدب، يتوقّف عند تجارب كلّ من بركات لطيف (1935) الذي عبّر في شعره عن الموت البطيء للعامل من وحي عمله سائقَ قطار، إلى جانب أسماء مثل معروف الأرناؤوط (1892 - 1948) في المسرح والرواية، وعلي خلقي (1910 - 1984) في القصّة، والمترجم عبد اللطيف الأرناؤوط (1931 - 1922) الذي نقل قصائد من لغته الأصلية إلى العربية منذ بداية الخمسينيات.

الأرناؤوط شارك في سيمنار عقده  "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، أمس الأربعاء، تحت عنوان "مشاركة الألبان والبشناق في حرب 1948"؛ عقّب عليه الباحث السوري جمال باروت، وأداره الباحث الفلسطيني هاني عواد. وتحدّث في السيمنار عن مشروعه البحثي القائم على فحص الأرشيفات الرسمية في البلقان وفي البلدان العربية، وفي يوميات ومذكّرات وروايات شفوية، وحتى ما يمكن الوصول إليه من أرشيف دولة الاحتلال التي نهبت الكثير من الوثائق المتعلّقة بتلك المرحلة الفاصلة، بهدف إعطاء المقاتلين الألبان والبشناق في حرب 1948 حقّهم، إذ حاربوا على جبهة عربية، لكنّهم تحوّلوا إلى كتلة هامشية عقب النكبة والتحالفات السياسية بين الأنظمة العربية وأنظمة يسارية ــ ومنها يوغوسلافيا ــ دفعت إلى طيّ ذِكرهم.

يُذكر أن الدورة الثانية والثلاثين من "معرض الدوحة الدولي للكتاب" تتواصل حتى الحادي والعشرين من حزيران/ يونيو الجاري، وهي تضمّ جناحاً لشارع المتنبّي، حيث تشارك ستّ مكتبات تمثّل الشارع الذي يقع على ضفّة دجلة في بغداد؛ كما تُقام على هامشه سلسلة محاضرات تُعاين الحراك الثقافي في السعودية التي تحلّ ضيف شرف العام الحالي، إلى جانب العديد من الندوات حول العديد من القضايا الأدبية والعلمية والاجتماعية.

المساهمون