كاتب من العالم: مع علي رضا آبيز

26 يناير 2023
علي رضا آبيز
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع كاتب من العالم في أسئلة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "أفكّر كثيراً في احتمال قيام إيران ديمقراطية، وبتأثير الأمر على المنطقة من حولها... الشعب الإيراني يطالب، مرّة أُخرى، بتحقيق تغيير جذري"، يقول الشاعر الإيراني لـ"العربي الجديد".


■ كيف تُقدّم المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟

- أراه متجذّراً في الأدب الفارسي الكلاسيكي، المعروف عالميًا ويتطلّع قُدمًا إلى المستقبل. كما أنّ المشهدين الأدبي والثقافي المعاصرين، في إيران، يضجّان بالحيوية وهما مثيران للغاية، حيث تنتشر الأساليب الكلاسيكية إلى جانب المدارس الحداثية وما بعد الحداثية. تزدهر ترجمة الأدب العالمي، وللمرأة نصيب ودور كبيران في هذا. أضرّت رقابة الدولة بحرّية التعبير، ولكنّ العديد من الكتّاب والشعراء يتحايلون عليها من خلال النشر على الإنترنت أو النشر سرًّا. تنتشر كتابة القصة القصيرة والشعر، وتنشط في الوسط نفسه المئات من الفرق المسرحية.


■ كيف تقدّم عملك لقارئ جديد، وبأي كتاب لك تنصحه أن يبدأ؟

- أستوحي شعري من الظروف الاجتماعية والسياسية المعاصرة لإيران. أكتب شعرًا غير منظومٍ وأكتب من التجربة المُعاشة. أستكشف الأسئلة الأخلاقية المعقّدة والصفات الشخصية المتناقضة في دواخل الإنسان المعاصر. أكتب في مواضيع الاستجواب والمراقبة والاعترافات القسرية، وتتكرّر في شعري مواضيع القمع بقدر ما تتكرّر مواضيع الحبّ والحلم بمجتمع حرٍّ ومتساوٍ. أوصي أي قارئ محتمَل أن يبدأ بكتاب "المحقّق العَطوف" (The Kindly Interrogator)، وهو مجموعة مختارة من أشعاري المترجمة إلى اللغة الإنكليزية، ليتعرف من خلاله إلى كتاباتي وأسلوبي.

يؤدي اقتصاد السوق في الأدب إلى قراءات أقل للأدب الجاد

■ ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟

- يشغلني ما يحصل في موطني إيران، الآن، أكثر من أي سؤالٍ آخر. مرّت إيران، مثل باقي دول الشرق الأوسط، بتغيّرات اجتماعية وسياسية كبيرة منذ وُلدتُ في هذا العالم. يطالب الشعب الإيراني، منذ أيلول/ سبتمبر 2022، مرّة أخرى، بتحقيق تغيير جذري، وشعاره هذه المرة: "المرأة، الحياة، الحرّية". قُتل المئات وسُجن عشرات الآلاف، بمَن فيهم أُختي. أفكّر كثيرًا في احتمال قيام إيرانَ ديمقراطية، وبتأثير الأمر على المنطقة من حولها. أطمح لرؤية شرق أوسط موحَّد يقوم على أساس القواسم الثقافية المشتركة، وعلى الصداقة بين أممه، وعلى التقدّم نحو مستقبل مشرق. 


■ ما أكثر ما تحبّه في الثقافة التي تنتمي إليها وما أكثر ما تتمنى تغييره فيها؟

- على الرغم من دراستي للأدب الإنكليزي وإقامتي في المملكة المتّحدة لأربعة عشر عامًا حتى الآن، فأنا إيرانيّ حتى النخاع وأتمنّى أن أبقى كذلك. أحبّ ثقافتنا الغنية وأدبها الكلاسيكي. أحبّ في إيران أنها تتشكّل من مجتمع متعدّد الثقافات وأنها نقطة التقاء لمختلف المجموعات العرقية واللغوية التي عاشت وما زالت تعيش في صداقة وانسجام، رغم السياسات الضارّة للحكومات المتلاحقة. أحبّ دفء وكرم الضيافة عند كل دول الشرق الأوسط، ولكن توجد أمور كثيرة أود تغييرها، وأهمها المطالبة بمزيد من التسامح الديني، وبمزيدٍ من الاحترام لحقوق الإنسان، وخاصّة حقوق المرأة والطفل وحقوق الأقلّيات المختلفة. 

قد تجد بعض تأثيرات الشعر العربي الحديث في قصائدي

■ لو قُيّضَ لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟

- كنت سأتفرّغ لكتابة الأدب. لن أقضي سنوات عديدة في الأوساط الأكاديمية. كنتُ سأحاول أن أكتب أكثر وبجودة أفضل. كنت لأتعلّم اللغة العربية حتى أستمتع بالأدب العربي الغنيّ الذي أشعر بالانتماء إليه. كنت لأسافر حول العالم وأقضي سنوات في الطبيعة، بمفردي أو مع أشخاص يشبهونني فكراً.


■ ما التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- أتمنّى أن تنتهي كلّ أشكال العُنف. أريد السلام للبشرية جمعاء. أريد أن أرى الجميع يدركون قيمة حياة الإنسان وأن يقدّروها. أتمنى نهاية للظلم والقسوة والتمييز. أتمنى أن يدرك كل إنسانٍ أن الآراء ليست إلّا أراءً، وأنه لا يوجد رأيٌ مقدّس، وأنه لا ينبغي قتل أي إنسانٍ بسبب الكراهية الدينية أو السياسية. أتمنى أن أرى البشرية تعيش في وئامٍ مع الطبيعة، وأن تحمي البيئة وأن تقدر حياة كل المخلوقات.


■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟

- أحب أن ألتقي بالمهاتما غاندي لأتعرّف إلى فلسفته، ولأسأله عن آرائه حول النضالات الحالية حول العالم. ماذا سيفعل لو كان قائدا فلسطينيًا يعاني شعبُه لعقود؟ كيف سيتصرف إزاء الحركة الحالية في إيران؟ هل سيتمسك بتوجهه اللاعنفيّ في وجه كل هذه الفظائع؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فكيف؟ يحتاج العالم إلى قادة مثله ليقودوا البشرية في هذه الأوقات العصيبة. 


■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟

- يؤدي اقتصاد السوق في الأدب إلى قراءات أقل للأدب الجاد. تدفع سلعنة وتصنيع الأدب والفن بالأدب الجيد إلى الوراء لصالح الترفيه. وحرية التعبير مهدَّدة بطريقة لم نشهدها من قبل، بسبب القوّة الهائلة لوسائل الإعلام متعدّدة الجنسيات والشركات الكبرى، جنبًا إلى جنب مع سلطة الدولة وتكنولوجيا المراقبة. 

غلاف ديوان لعلي رضا آبيز - القسم الثقافي


■ ما قضيّتك وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟

- أدافع عن الحرية وعن نضال الإنسان من أجل تحقيق العدالة. أتحدّث عن استغلال السلطة وديناميات علاقات القوة. أكتب عن الرقابة وعن حرية التعبير كحق أساسي يجعل المطالبة بحقوق أخرى أمرًا ممكنًا. أكتب كثيرًا عن الموت ومعنى الحياة، وعن التجربة الفريدة للعيش، وعن مسألة الوجود. كما أن الحب والرحمة من الموضوعات المهمة في عملي، بل إنني أقدّر التعاطف أكثر من الحب. أدعو لإيجادٍ مُجتمع عطوف يهتم فيه الناس بعضهم ببعض على أساس الإنسانية المشتركة بينهم فقط.

يشغلني ما يحصل في موطني إيران أكثر من أي شيء الآن

■"الأدب العالمي يكتبه المترجمون"، إلى أي درجة توافق على هذه المقولة وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟

- لطالما كانت الترجمة مهمة في الثقافة الإنسانية. صارت كل موجات التطوّر الثقافي الرئيسة ممكنة بفعل المترجمين. تسافر الأفكار على الدَّوام بين اللغات وخارجها. أصبحت ترجمة الأدب اليوم، ومع التقدّم التكنولوجي، أكثر أهمية من ذي قبل. يُنسب مصطلح "الأدب العالمي" عادةً إلى أدب المناطق الأخرى المتحدّثة بلسان آخر، وبالتالي لا يمكن الوصول إليه إلّا عبر الترجمة. ونظرًا لأن المترجمين هم الذين يختارون الأعمال المراد ترجمتها، فإن لهم دوراً أساسياً في تشكيل صورة الأدب الأجنبي، أو بكلمة أخرى، الأدب العالمي.


■ كيف تصف علاقتك مع اللغة التي تكتب بها؟

- أكتب شعري بالفارسية، لغتي الأم، بشكل أساسيّ. أحب هذه اللغة وأعتز بها ليس فقط لأن فيها تراثًا شخصيًا يربطني بأسلافي، ولكن أيضًا لثرائها في الثقافة والأدب العظيمين على مدى أكثر من ألف عام. من المثير في اللغة الفارسية أنه يمكننا قراءة وفهم الشعر والنثر المكتوبيْن منذ أكثر من ألف عام بسهولة. وتأثرت الفارسية بشكل كبير وأُثريت باللغة والثقافة العربية بسبب الثقافة الإسلامية المشتركة والجوار الجغرافي.


■ كاتب منسي من لغتك تودّ أن يقرأه العالم؟

- أود أن يقرأ العالم شعر منوجهري دامغاني، وهو شاعرٌ من القرن الحادي عشر، وهو معروف في إيران اليوم، لكن أعماله لا تُترجم بما فيه الكفاية إلى اللغات أخرى. أريد أن يقرأه العالم لِما يعطيهِ من منظورٍ جديد للأدب الإيراني الكلاسيكي والمُستلهم غالبا من الشعر الملحمي أو الشعر الصوفي. نهجه في الحياة دنيويّ وهو يمتدح الطبيعة والأمور الباعثة على السعادة في الحياة. أراهُ شاعرًا للحياة، ونريد أن يقدّر العالم هذا الجانب من الثقافة الفارسية.


■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، كيف تحب أن تكون صورتك عند قرّائك؟

- ليست لدي مثل هذه الأوهام، لكنْ لو افترضنا السؤال، فسأجيب بأني أود أن تكون صورتي مطابقة لِما أنا عليه الآن: شخصٌ عادي في زمنٍ غير عادي. رجل بطموح كبير للإنسانية، يتنقّل بين الأمل وخيبة الأمل، ويكتب الشعر ليخاطب إخوانه ويشاركهم عواطفه وتجاربه. خادم متواضع لإنسانيتنا المشتركة.


■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟

- أشكرك على قراءة شعري. وكما ترى، فإننا نشترك في كثير من الأمور. ذلك أن للعرب والإيرانيين تاريخاً طويلاً من الصداقة والنضال والآلام المشتركة. نواجه اليوم مشاكل اجتماعية وسياسية ومعرفية مماثلة. نحن بحاجة إلى العمل الجاد لإيجاد حلّ لمشاكلنا. لطالما أُعجبتُ بالأدب العربي، وقرأت الكثير من الشعر والرواية العربية من خلال الترجمة. ونحن نترجم، لحسن الحظ، الكثير من آداب اللغة العربية في إيران، وثمة كنوز كثيرة من الأدب العربي الكلاسيكي والحديث متوفرة باللغة الفارسية. وقد تجد بعض تأثيرات للشعر العربي الحديث في قصائدي. أودّك أن تتعرّف إلى الأدب والثقافة الفارسية أكثر، وأن تستخدمهما لبناء الصداقة من أجل مصلحتنا المشتركة.


سيرة

شاعر ومترجم وأكاديمي إيراني، من مواليد عام 1968 في مدينة آبيز، جنوب خراسان. حاصلٌ على إجازة في اللغة والأدب الإنكليزيين من "جامعة الفردوسي" في مشهد، ودبلوم دراسات معمّقة في الاختصاص نفسه من "جامعة طهران"، كما حصل على درجة الدكتوراه في الكتابة الإبداعية المتخصّصة بالشعر من "جامعة نيوكاسل" في المملكة المتحدة.

أصدر، منذ عام 1998، خمس مجموعاتٍ شعرية باللغتين الفارسية والإنكليزية، هي: "توقّف، علينا أن ننزل" (طهران، 1998)، و"سباغيتي بصلصة مكسيكية" (طهران، 2004)، و"صوت شجرة يخرج من منضدتي" (طهران، 2013)، و"الخط الأسود لمترو لندن" (طهران، 2017)، التي حازت "جائزة شاملو في الشعر"، و"شارع کوهسنگي 13 ـ 1" (لندن، 2017).

نقل إلى الإنكليزية، بالتعاون مع و. ن. هربرت، مجموعة مختارة من قصائده صدرت عام 2021 تحت عنوان "المحقّق العَطوف" (منشورات "شيرسمان"، سويندون). وله أيضاً دراسةٌ بالإنكليزية، صدرت عام 2020 بعنوان "الرقابة على الأدب في إيران ما بعد الثورة: السياسة والثقافة منذ 1979" (منشورات "بلومزبري"، لندن).

نقل إلى الفارسية أعمالاً لـ راينر ماريا ريلكه، وويليام بتلر ييتس، وديريك والكوت، وتيد هيوز، وجاك كيرواك، وغيرهم. تصدر له، خلال عام 2023، مجموعةٌ شعرية جديدة، ثنائية اللغة (فارسي ــ إنكليزي)، بعنوان "ورلٌ صحراوي".

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون