سلمى الخضراء الجيوسي.. القادمة من سفر بعيد (ملف)

سلمى الخضراء الجيوسي.. القادمة من سفر بعيد (ملف)

24 ابريل 2023
سلمى الخضراء الجيوسي (1925 - 2023)
+ الخط -

القادمة من سفر بعيد

ليس هذا الملف المتواضع تأثراً فحسب برحيل رائدة - بمعنى الكلمة - من رواد الثقافة العربية المعاصرة، أو وداعاً لشخصية كبرى في هذه الثقافة. وليست سلمى الخضراء الجيوسي، الشاعرة في أعمق جذور شخصيتها والناقدة التي يتعلّم منها القارئ بحق والقادرة على إنجاز مشاريع كبيرة؛ ليست مجرّد أيقونة تستحق تكريمَ مُنجزها، ولكنها صاحبة مشروع حضاري يستدعي من يستكمله على مستويات مختلفة.

كانت اسماً أساسياً في مغامرة الشعر العربي الحديث، كتابة ونقداً ومواكبة منذ مطالع خمسينيات القرن الماضي، وشقّت الطريق لترجمة الأدب العربي إلى الإنكليزية، ومعظم من جاء بعدها مدين بشكل ما لجهودها التأسيسية. الناقدة والمؤرخة الأدبية الاستثنائية وصاحبة الفكر النهضوي الخلّاق تُلمَسُ معرفتُها العميقة الواسعة وموهبتها النقدية في كل ما كتبته عبر أكثر من ستة عقود. بضع مئات من المقالات والدراسات ما تزال لها مكانتها، بل لعلها ضرورية لفهم مغامرة الشعر العربي وجوانب متعددة من الثقافة العربية والشخصية الحضارية العربية. (لا يفوتن مهتم بالشعر العربي كتابها المرجعي "الاتجهات والحركات في الشعر العربي المعاصر" - صدر بالإنكليزية عام 1977، ثم بالعربية عام 2001 بترجمة عبد الواحد لؤلؤة).

شخصية عروبية بفهم حضاري واسع ومنفتح للعروبة الثقافية، ووحدوية بما هي الوحدة اعتراف بالمشترك الإنساني والثقافي وسعي إلى التضامن، ومضادة لكل تزمت وتطرف وبطريركية ونفاق اجتماعي، ورائدة نسوية بلا ضجيج. تعرف ماذا قدّم العرب للحضارة العالمية وتعرف ما عليهم أن يقدموا اليوم وماذا بمستطاع الإنسان العربي لو أُطلقت طاقاته أن يُقدّم. مغامرة الشعر عندها هي نفسها مغامرة الحداثة والتحرر وعيش الإنسان لعصره، ومثل مؤرخ بارع استعادت في أعمال موسوعية الأندلس وصقلية العربية والأدب العربي القديم كأنما لتجذّر هذه الحداثة ولتبرهن على جدارة المجتمعات العربية وحتمية نهضتها.

ابنة المآسي العربية وفي طليعتها استعمار فلسطين من قبل عصابات الجريمة الصهيونية عام 1948 لم تجلس مكتوفة اليدين ولم تستسلم لهزيمةٍ كاذبة أُريد فرضها على العرب. اتخذت من الأدب والعمل الثقافي ساحتها، ومن خلالهما قدّمت ردّها على كل أشكال تحقير وعي الإنسان العربي. الشاعرة البارزة في مطلع الستينيات، والمقلّة في ما بعد؛ حوّلت بإيثارٍ طاقتَها الشعرية إلى مشروع كبير لترجمة الأدب العربي إلى الإنكليزية، انبثقت عنه - إلى جانب الترجمات - سلسلة من الأنطولوجيات جَلَت جمال الحضارة العربية الإسلامية وأفضالها المتنكَّر لها على حضارة العالم، وبشكل خاص على الحضارة الغربية. أثّرت كإنسانة كبيرة ومعطاءة، ومثقفة صاحبة رسالة وشخصية آسرة؛ تأثيراً مباشراً في مئات وربما آلاف المبدعين من شتى الأقطار العربية ممن حظوا بمعرفتها أو العمل إلى جانبها أو الاقتراب من عالمها.

وإن رحلت بعيدةً عن بلادها المسروقة من قِبل عصابة لصوص تسمّي نفسها دولة، ولم تتوسد مكاناً في أرضِ صباها وأحلامها الأولى، في صفد أو عكا أو القدس، فإنها تتوسد نبض القلب في ثقافةِ تحرُّرِ هذه البلاد. وإننا إذ نودعها فكأنما أيضاً نعانقها قادمةً من سفر بعيد.

نجوان درويش


"مع سلمى"... نجوان درويش

"امرأةٌ من زماننا"... نوري الجرّاح

"سفيرة العرب الثقافية"... خلدون الشمعة

"سلمى الخضراء الجيوسي تروي سيرتها"... محمد علاوة حاجي

"مؤرّخةً وناقدة للحداثة الشعرية"... أنس الأسعد  

"عقود من الترجمة لا يشرحها إلا الكَرم"... محمود الحاج

"أندلس سلمى الخضراء الجيوسي"... محمد علاوة حاجي

"دير ياسين قبل أفول البراءة وبعدها"... سلمى الخضراء الجيوسي

"تحوّلات الحنين"... سلمى الخضراء الجيوسي

"رحيل سلمى الخضراء الجيوسي.. عُمر مديد في خدمة الثقافة العربية"... عمّان - العربي الجديد

الصورة
عدد 22 نيسان - القسم الثقافي
الصورة
عدد 23 نيسان - القسم الثقافي

المساهمون