ذكرى ميلاد: أميديو موديلياني.. أثر يفيض عن التجربة

ذكرى ميلاد: أميديو موديلياني.. أثر يفيض عن التجربة

12 يوليو 2023
أميديو موديلياني في مرسمه، 1910 (Getty)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثاني العاشر من تمّوز/ يوليو، ذكرى ميلاد الفنان الإيطالي أميديو موديلياني (1884 – 1920).


في الثالث من كانون الأول/ ديسمبر عام 1917، افتتح أميديو موديلياني ــ الذي تحلّ ذكرى ميلاده اليوم الأربعاء ــ معرضه الفردي الأول والوحيد في باريس، الذي تضمن ثلاثين عملاً، بتكليف من الصديق والتاجر ليوبولد زبوروفسكي، حيث تسببّت الشخصيات العارية التي رسمها بفضيحة عامة، فأغلقت الشرطة المعرض في غضون ساعات.

تتجاوز حياة الفنان الإيطالي (1884 - 1920) الأسطورية والغامضة أيّة مكانة له في تاريخ الفن، إنْ كان في ما يتعلّق بأمراض أصيب بها منذ طفولته، نتج عنها السلّ، وهو مرض أخفاه بسبب الوصمة الاجتماعية التي كانت تلاحق المصابين به آنذاك، أو في لجوئه إلى المخدّرات حتى يتحمّل الألم، وكذلك الفقر وسوء الحظ اللذين لاحقاه حتى رحيله في الخامسة والثلاثين عاماً. وبعد يومين من وفاته، انتحرت خطيبته، جان هيبوتيرن، التي كانت حاملاً في شهرها الثامن.

الصورة
من أعمال مودلياني
من أعمال موديلياني

استطاع موديلياني صُنع اسمه بشكل رئيس من خلال لوحاته الشهيرة للنساء، بعيون لوزية وأعناق طويلة وأجساد عارية، وكانت لأسلوبه جذور قديمة تكمن في العصور الكلاسيكية، أو في الفن الأفريقي، لكنها ربما طغت على بورتريهاته لعدد من أصدقائه، مثل بابلو بيكاسو وجان كوكتو ودييغو ريفيرا، واتسمت بخصوصية مغايرة عن جميع مجايليه.

في الأشكال الأنثوية التي رسمها، والتي كانت متطاولة، ألغى العديد من التفاصيل، خاصة في نظرة العين، فبدت مثل الأقنعة، ضمن رؤيته للتبسيط في تكوين الخطوط المستقيمة والمنحنية، أو في استثمار لون واحد أو لونين أو ثلاثة ألوان على الأكثر، بطريقة تعبيرية بدائية تفصل الشكل عن الخلفية، على نحو ميّز رؤيته الفنية.

الصورة
من أعمال مودلياني
من أعمال موديلياني

كانت الاضطرابات النفسية والعاطفية التي عاشها الفنان الإيطالي محفزاً جعله ينجذب للشخصيات اليائسة والمدمَّرة في قعر المجتمع، في بحثٍ عن بؤسها الذي عبّر عنه بقوّة خطوطه العنيفة وألوانه الحادّة التي منحته الجرأة والحرية في التعبير واختراق المواضيع المحافِظة أو الحسّاسة.

ثلاث نساء تركن تأثيراً كبيراً في تجربة موديلياني وحياته الشخصية، هنّ: الشاعرة الروسية آنا أخماتوفا، والكاتبة البريطانية بياتريس هاستنغز، والفنانة الفرنسية جان هيبوتيرن التي أنجبت له ابنته جيوفانا، ورسم لهنّ بورتريهات كثيرة تكشف عن العلاقة الحميمة التي كانت تربطه بكل واحدة منهن على انفراد. لكن الأخيرة كانت الأحب إلى نفسه، حيث انقطعت عن حياتها وعالمها من أجل الاقتراب منه والالتصاق به، لذلك لم تحتمل رحيله وألقت بنفسها من نافذة في الطابق الخامس، لتضيف فاجعة جديدة إلى سيرة موديلياني.

الصورة
من أعمال مودلياني
من أعمال موديلياني

وقدّم أيضاً تجربة لافتة في النحت خلال العقد الأخير من حياته، وإنْ نفّذ منحوتات قليلة العدد نسبياً وفي وقت قياسي أيضاً، حيث حال مرض السلّ ونوبات الألم في التنفس والصدر أثناء العمل من تنفيذ مزيد من الأعمال. لكنّه تميّز أيضاً في التعامل مع الشكل بنفس الأسلوب الذي قدّمه في الرسم، حيث الاستطالة في الأنف والأعناق والوجوه، ضمن بساطة في التكوين أيضاً، وقد دارت أيضاً شائعات حول سرقته للحجارة التي نفّذ منها منحوتاته من بناية كانت في قيد الإنشاء، أضيفت إلى أساطير أخرى ملأت حياته.

بعد أكثر من مئة عام على رحيله، لا يكاد يُذكر اسم موديلياني إلّا وتستعاد تلك السيرة بفصولها الغريبة والمثيرة، مع التأكيد على مكانته كفنان احتفظ بفرادته الخاصة التي جعلت رسوماته معروفة بشكل واسع من جمهور لا يمتلك بالضرورة معرفة كبيرة بالفن، على نحو يقترب إلى حدٍّ ما ــ ولو بدرجة أقل ــ من بيكاسو أو فان غوخ أو دافنشي.

المساهمون