بين خوفين

بين خوفين

18 يناير 2024
طفلتان فلسطينيتان في مدرسة برفح، 16 كانون الثاني/ يناير 2024 (Getty)
+ الخط -

مشاعري. أفشل في الوصول إلى مشاعري منذ بداية سلسلة الفاجعة والتوحّش الأخيرة التي شُنَّت على الناس في فلسطين. روحي شُلَّت من اليأس. أو الفراغ. اختفت الكلمات، تخلَّت عني. ما عدت أستطيع التحدث مع أحد، لا أردّ على الهاتف أو أخرج من شقّتي إلّا لأداء شيء يخصُّ رعاية طفلي والعمل. لا أستطيع قراءة المقالات الإخبارية أو مقالات الرأي حتى نهايتها. أبدأ بالقراءة، لبضع ثوانٍ ربما، ثم تزوغ عيناي. 

أتوقّف لبضعة أيام، متعجّبة من قدرة الناس على إيجاد الكلمات والتعبير عن أنفسهم، بينما أنا لا أملك ولو كلمة. أشعر بأنني محدودة، أقلّ كفاءة من أيّ أحد آخر يتحدّث، يكتب، كلُّ من يستطيعون التكلّم والتعبير بشكلٍ واضح ومفهوم. مع ذلك، أرجع وأحاول القراءة، متنقِّلة بين وسائل الإعلام العربية والإنكليزية والعِبرية، لأتعجّب مجدّداً من التفوّق اللغوي الذي يُبديه الجميع مقابل فشلي، وأتوقّف عن القراءة.

الخبر الوحيد الذي أتمكّن من إنهاء قراءته نُشر على موقع إسرائيلي، ويعود إلى 4 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023. يحكي الخبر عن ثعبان حاول ابتلاع قنفذ بأكمله. يصف المقال كيف أدى يأس الثعبان في بحثه عن الطعام، ومن أجل النجاة، إلى خطأ أكل القنفذ. لكنّ القنفذ يُبرز إبره في محاولة للدفاع عن النفس، ويحاول الهرب، ولكنَّه بفعل ذلك، يعلق في فم الثعبان. يموت الثعبان ويموت القنفذ.

أتساءل عمّا إذا كانت هذه نبوءة من عالَم الحيوانات، تحذيراً لنا نحن البشر. ثم أتساءل عمَّن يلعب دور الثعبان والقنفذ: الإسرائيليّون والفلسطينيّون؟ أصحاب الامتيازات والمحرومون؟ واقعنا وآمالنا؟ الحياة والموت؟ اللغة وأنا؟ أُثقِل، مراراً وتكراراً، الثعبان والقنفذ الميّتَين بيأسي وفراغي.

السماح للآخرين بالحصول على مكان هو ما تعلّمته من الأدب

ثم أُبلَّغ فجأةً بمقال على صحيفة "دي تاغيستسايتونغ" الألمانية، يُبدي استياءً من تلقّي روايتي الأخيرة، "تفصيل ثانوي"، "جائزة ليبتروم" في حفل بـ"معرض فرانكفورت للكتاب". شعرتُ بأنّ المقال كأنما يُحاول، بتهكّم، صرف الانتباه عن الألم الحقيقي، ألم الآخرين الذي لا نستطيع اختباره بأنفسنا، أو الوصول إليه أصلاً. عدا ذلك، لم أشعر بالكثير، كان الفراغ أقوى، أكثر شراسة، واستمرّ في التغلّب عليّ.

ثم بعد بضعة أيام، أُبلَّغ بقرار إلغاء الحفل، وفعاليَّاتي، كلُّ ذلك عبر "إيميل" مُقتضب. حتى ذلك لا يُثير الكثير من المشاعر. أفكِّر فقط بكيف يُمكن للمرء، بناءً على الأكاذيب، أن يقلب الأشياء، يؤثّر عليها في الواقع، وبتلك السهولة والسرعة؛ أكاذيب، أو حقائق مُختلقة، من صُنع أعضاء المؤسّسات الصحافية والثقافية في ألمانيا. لكوني شخصاً يجدُ سبيلاً للحياة عبر التخلّي عن الواقعيّ من أجل التسكّع في الخيالي، فإنّ هذه ليست مُمارسة أشجُبها بالضبط، أي الاعتماد على اختلاق الأحداث. أتمنّى فقط لو يعترف بها كخيال ولا تنقل كوقائع وحقائق.

بعض هذه الأكاذيب يعبِّر عنها صحافي "دي تاغيستسايتونغ"، بادّعائه أنّ روايتي تشجّع على العنف ضدّ الإسرائيليّين وتعتمد اللاسامية في سردها، وأنّني "ناشطة مُلتزمة في حركة المقاطعة"؛ يليه تصريح "مؤسّسة ليبتروم"، التي تمنح الجائزة، بأنّ قرار إلغاء الحفل قد اتُّخذ بالشراكة معي. أكاذيب الأدب أو اختلاقاته لا تسبّب على الإطلاق مثل هذه التأثيرات على الواقع، ذلك ربما للأفضل.

أهمّية الأدب لا تكمن في التحريض على التغيير، بل في خلق الحميمية، التأمّل، إعادة الآخرين إلينا؛ ربما كمساحة للتفكير في كيفية التواصل مع أنفسنا ومع الآخرين، بدءاً بالعيش، ووصولاً إلى الألم، إرشادنا نحو كيفية العيش أحسن. أو نقلاً عن صديقي الكاتب رافايل كاردوسو، الذي استشهد مرَّة برسّام برازيلي: "جعلُ المجهول أفضل".

الناقد نفسه لدى "دي تاغيستسايتونغ"، لو جاز لنا أن نشير إليه بـ"الناقد الأدبي"، عبَّر أيضاً عن شيء يُمكن اعتباره شبه حصيف، حملني على التفكير معه أبعد. يدَّعي الناقد أنّ بعض الشخصيات في الرواية، لكونهم إسرائيليين ومغتصبين وقتلة، هم بلا أسماء أو وجوه. الملاحظة شبه حصيفة، لأنّه يستخدمها لدعم آرائه الأيديولوجية، متجاهلاً كون الشخصيات الباقية، بما في ذلك جميع الشخصيات الفلسطينية، هم أيضاً بلا أسماء أو وجوه. ربما لا يطبّق الناقد تلك الملاحظة على الشخصيات الفلسطينية لأنّه يراها ويفكّر فيها بهذه الطريقة على الدوام، بلا أسماء أو وجوه. وذلك بالضبط ما مكَّن فهماً جديداً لديّ، ككاتبة، حول سبب ظهور هذه الشخصيات التي بلا أسماء أو وجوه دوماً في معظم نصوصي، وليس فقط في روايتي الأخيرة.

أدركتُ أنّ الحساسية الأدبية التي أنا على صلة حميمة بها صمَّمها انعدام الوجوه والأسماء الذي لطالما واجهته خلال كلّ حياتي في فلسطين التاريخية، وفي أماكن أُخرى أيضاً، بل بكلّ ما له صلة بالعرب عموماً، لا الفلسطينيّين فقط، إلى جانب جماعات مهمَّشة مضطهدة أُخرى، حول كيفية تمثيلهم من قبل الفئات المُهيمنة في الواقع. فجأةً فهمتُ لِمَ لَم أشعر بالقرب يوماً إلّا من الشخصيات التي بلا أسماء أو وجوه. إنّه غياب مُذهل، فأيُّ مكان يستطيع من لا وجه لهم، النَّكِرات، أن يجدوه في الأدب، وأيُّ نوع من الأشكال الأدبية قد يلهمون؟

منطقٌ إقصائي يعني أنّ "هذا الإنسان أعلى قيمة من ذاك"

أظنّ أن ناقداً ألمانياً آخر كان يتساءل عن نهاية روايتي، وعمَّن يعود منظوراً فيها، إذا كانت تلك نهايتها. ذلك سؤال مثير، يوجِّهنا أيضاً إلى نوع مختلف من الشخصيات التي بلا أسماء أو وجوه: الأشباح. أيُمكن لجميع تلك الشخصيات بلا أسماء أو وجوه أن تكون أيَّ شيء سوى أشباح أدبية؟ بوسعي أن أؤكّد لناقد "دي تاغيستسايتونغ" أمراً واحداً فحسب، أنَّه إذا ألهم شخصية في أحد نصوصي ذات يوم، فسيكون أيضاً شخصية بلا اسم أو وجه.

في هذه الأثناء، تستمرّ "ليبتروم" بالتصريح أنّها تحاول إيجاد مكان ووقت جديدين لإقامة الحفل. عندما أبلغوني بقرار الإلغاء، أجبتُ بأنّني لست متأكّدة من التزامي تلك الخطّة، ولكن سنرى فيما بعد. أظنّ إذا ما زالت "ليبتروم" تريد منح الجائزة لروايتي، فربّما تكون الخدمة البريدية خياراً جيّداً. يُمكنهم إرسالها بالبريد، موقَّعة للتسليم، ويُمكنني أن أقيم حفلاً صغيراً مع ساعي البريد العجوز الذي عادةً ما يُحضر إلى باب بيتي أيّ حزم كبيرة الحجم أو بريداً بحاجة إلى توقيع. على أية حال، أحياناً أقدِّم إليه كعكة إذا ما توافرت. قد أشعر بتأثّر أكثر في حفل كهذا، لكونه يعتمد شكلاً مرغوباً من الحميميَّة، يضاهي حميميَّة فعل الكتابة. منذ فترة طويلة أصلاً وأنا أفكِّر بعدم المشاركة في فعاليات ونشاطات أدبية عامة. بدأت مع الوقت أشعر بأن هذه الفعاليات والنشاطات مصدر إرهاق شديد من حيث المستوى الهائل من الإفصاح التي تتطلّبها، حول عملية الكتابة، التي بحدّ ذاتها تتطلّب الصمت.

لكن الاحتفاء بالكتاب وتكريم حميميَّة عملية الكتابة برز بمجرّد انتشار خبر إلغاء حفل تسلّم الجائزة. الدعم الهائل المستمرّ الذي تلقّيته من عددٍ كبير من القرّاء من جميع أنحاء العالم، من كتّاب ومترجمين وناشرين وحتى وكلاء أدبيّين، جعلني أفهم أيضاً أن الأدب ما زال حبل نجاة للكثير، الكثير منَّا.

بعد يوم أو نحوه من إخطاري بالإلغاء، تلقيت "إيميلاً" من أحد مُحرّريَّ يقتبس إعلاناً عامّاً أصدره بالتوازي "معرض فرانكفورت للكتاب"، مفاده أنهم يرغبون في منح مساحة أكبر للأصوات الإسرائيلية واليهودية. عموماً، أنا أكثر من جاهزة لمنح مكاني، ليس فقط في "معرض فرانكفورت للكتاب" في هذه الحالة، بل إلى أحد يحتاجه بشكل عاجل. الكرم، التراجع والسماح لشخص آخر بالحصول على مكان أو ملجأ، هو ما تعلّمته، مثل الكثيرين غيري على الأغلب، من الأدب.

لطالما وفّر الأدب أرضيَّة أخلاقية بالنسبة إليّ منذ الصغر. في العربية، لا يجب أن ننسى أن كلمة أدب تعني أيضاً الأخلاق. لكنّ بيان "معرض فرانكفورت للكتاب" يعكس شيئاً آخر. إنه يعكس المنطق الإقصائي لرؤية سياسية معيّنة، ويوحي بأنه "لكي يكون هذا، لا يُمكن ذاك"، أو "هذا الإنسان أعلى قيمة من ذاك". إننا نرى هذا المنطق في الأيديولوجيات القومية، وبشكل متزايد، في خطاب الحكومات، سواء في ألمانيا أو غيرها.

ثمّ بعد عدّة أيام من إبلاغي بخبر إلغاء جميع فعاليّاتي في معرض الكتاب، وليس فقط في حفل توزيع الجوائز، توجَّهت إليَّ "ليبتروم" بذات الأسلوب المُهين، قائلين إنه يمكنهم إعادة إحدى فعالياتي إلى المعرض، الأمر الذي فكّروا به ربما فقط نتيجة الرأي العام، وليس من اهتمام حقيقي بي ككاتبة.

حاولتُ الردَّ بعيداً عن الإهانة، موضّحة أنه نظراً لكوني لستُ دُمية أحد، وكما لا ينبغي لأحد أن يكون، فإنّي لستُ دُميتهم حتى يلغوا فعاليّاتي، ثم يلغوا أحد الإلغاءات، كما لو كنّا أطفالاً نلتقط زهرة ونمزع بتلاتها ونتساءل: "هل يحبني/ هل لا يحبني". كتبت أنَّ "ليبتروم"، رغم سنواتها الكثيرة في العمل، ربّما لم تفهم بشكلٍ جيّد الكاتبات القادمات من الشقّ الجنوبي للعالم، اللاتي يمنحون الجائزة إليهنّ. هُنَّ بالتأكيد لسنَ دُمىً يلعب بها رئيس أوروبي ذو امتيازات من الشق الشمالي العالم؛ وأنا هنا لستُ أتحدّث عن شخص أو جنس أو عِرق بعينه، بل عن عقليَّة.

كاتبات الجنوب العالمي لسنَ دُمىً يلعب بها رئيس أوروبي 

الكاتبات، والنساء عموماً من الجنوب، يمكن أن يكنَّ – لو أردنا استعارة تعبير الشاعر إيمي سيزير – نَمرات تُزمجر إذا ما وصل الأمر إلى ما يقدِّرنه بعُمق ويعملن عليه طوال حياتهنّ. هكذا يصلن إلى حيث هنّ، رغم كلّ المصاعب والمشقّات التي يمرُرْن بها، وبالتالي فإنهنّ لا يرفّ لهنّ جفنٌ أمام العَقبات العُنصرية الصغيرة التي تُوضع في دروبهنّ من قبل عقليَّة وأساليب معاملة من هُم من الشمال.

كذلك بعدها، ودفاعاً عن الرواية، أخذ يشير البعض إلى أنَّها تُحيل إلى قصة حقيقية لفتاة بدوية تعرَّضت للاعتداء الجنسي والقتل من قبل جنود إسرائيليّين في صحراء النقب عام 1949. أنا نفسي أمتنع عن تقديم مثل هذه الإحالات والروابط بين الأدب والواقع. سؤال ما إذا كانت القصة حقيقية أو متخيّلة في رواية، تعادلُ قيمة سؤال ما إذا كانت الطاولة أو المقعد حقيقية في رواية. الرواية هي رواية، وكذلك هي شواغلها. لعلّني هُنا أستطيع أن أُشير إلى التساؤلات الأدبية التي قادت إلى جميع العناصر التي شكَّلت "تفصيل ثانوي"، بما في ذلك السرد الواقع في قلبها.

في فلسطين يكبر المرء مُدركاً أن اللغة تتجاوز كونها مجرّد أداة للإخبار أو التواصل. إنما يُمكن التهجّم عليها، كسرها، وإساءة معاملتها. السؤال هو: كيف تثق باللغة عندما تسبّب لك الألم أيضاً، عندما تهجرك ويتوجّب عليك مواجهة القسوة وحيداً، عاجزاً عن الكلام؟ دفعتني هذه الأسئلة إلى البحث عن أشكال سردية تسمح بمثل هذه اللغة، والإمكانات اللّانهائية التي يُمكن أن تخبّئها بين طيَّاتها، والتي قد تبرز مع الحبّ الذي تكنُّه لها، الحبّ الذي ربّما ما زالت تكنُّه لك.

في الحقيقة، كثيراً ما تُدفع اللغة إلى شكلٍ واحد رئيسي، السرد المفهوم، الواضح، والمنطقي. ولكن ماذا لو افتقرتَ إلى القدرة على فعل ذلك؛ أيُّ لغة ستبرز حينئذ؟ كيف تستمرّ بالكتابة بلغة مهشّمة أو غائبة؟ جميع هذه الأسئلة سكنتني قبل أن أبدأ كتابة الرواية بكامل عناصرها؛ من جهة، مقتفية شكلاً سردياً للغة يمكننا تقبُّلها، ومن جهة ثانية، مستخدمة شكلاً سردياً نستخفّ به لأننا بالكاد نستطيع الوصول إليه، وربما لا نرغب في الوصول إليه أصلاً.

لو أردنا استعمال لغة التحقيقات الجنائية، أستطيع أن أقول، إن "تفصيل ثانوي" تستكشف بجزء منها شكلاً أدبياً في ما هي تتبع خُطى لغة يمكننا الوصول إليها، وبجزء آخر، تفعل ذات الأمر بينما هي تتبع خُطى لغة لن يسعنا قطّ الوصول إليها. الآن فقط، بعدما انتهيت من كتابتها، يُمكنني أن أفهم بشكل أفضل هذه الأسئلة التي قادتني إلى الشكل والمحتوى الأدبيّين للرواية، بما في ذلك البنية السردية والأسلوب، جميعها المشكَّلة من خلال تجارب لغوية معيّنة. باختصار، أيُّ روابط أو صلات بأحداث حقيقية ليس القوّة الدافعة وراء كتابتي الأدبية بشكل عام، وليس في "تفصيل ثانوي" بشكل خاص.

ما الذي يمكن للّغة أن تصل إليه في هذه الأيام، ما زلت أتساءل بخوف. خوف.

منذ كنت طفلة وأنا أكره الخوف، عندما شاهدت كيف يتصرّف الناس وفقاً له. لذا بدأتُ أمرِّن نفسي على مواجهة الخوف. في ذلك الوقت كذلك، سألت نفسي: ما هو خوفي الأكبر؟ استنتجت أنه مكانٌ في بيت عائلتنا، حيث قررت مخيلتي الطفولية أن وحشاً يعيش هُناك عندما يحلّ الظلام. لهذا التمرين، توسّلتُ إلى والديَّ ليتركاني وحدي في البيت ذات مساء.

وكانا مجنونين كفاية للاستماع، أو ربما كنتُ لحوحة كفاية لأقنعهما. أطفأتُ جميع الأضواء في بيتنا الكبير، ومشيتُ إلى تلك البقعة في الظلام، عارفة أنني كلّما اقتربت منها أكثر، اقتربتُ من الوحش أكثر، ولكن من زرّ الإضاءة أيضاً. أذكر إلى اليوم آخر حركة من يدي، عندما تخيّلتُ أنّ الوحش سينقضّ عليها، قبل أن تصل إلى زرّ الإضاءة. ولكنّ الوحش لم يفعل. كان لطيفاً كفاية ليسمح لي بإشعال الضوء، ومن ثم أن يختفي. ما زال هذا تذكيراً لي حول كيفية التغلّب على مخاوفي، بما في ذلك الخوف من الكتابة. لكنّ شيئَين لا يزالان منيعين ضدّ هذه الطريقة: خوفان، أولهما ذو صلة بالعالم، والآخر ذو صلة باللغة.

أخشى أننا لن نصل يوماً إلى النقطة التي ننظر فيها حولنا ونقول إن اليوم أفضل من الأمس.

الخوف الثاني هو فقدان اللغة، بأنني قد أستيقظ يوماً ولا تكون لديّ لغة. خلال الشهور القليلة الماضية،عشتُ هذا الخوف. كِلا هذين الخوفَين يُطاردني أيضاً في موت عدد من الكتّاب والكاتبات الذين منحوني سُبلاً إلى الحياة. مهند يونس، جيل دولوز، غيراسيم لوكا، بريمو ليفي، سيلفيا بلاث. جميعهم انتحروا. أشعر بطريقة ما أنّ فعلتهم تؤكّد أنّ خوفَي الاثنين ليسا نتيجة مخيّلتي فقط، بل إنهما يشيران إلى حدود الواقع، حدود اللغة.


* كاتبة من فلسطين

المساهمون