أصدقاء لغتنا: مع وين شين أويانغ

أصدقاء لغتنا: مع وين شين أويانغ

19 مايو 2022
وين شين أويانغ في بورتريه لـ أنس عوض (العربي الجديد)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية. "العمق الإنساني في التراث الأدبي العربي ثروة تغنينا كلّنا"، تقول الباحثة التايوانية في حديثها لـ"العربي الجديد".


■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
انتقلت مع أهلي إلى ليبيا في الرابعة من عمري؛ إلى غريان في البداية، لمدّة أربع سنوات، ثم إلى طرابلس، لمدّة أربع عشرة سنة. ودرست في المدارس العربية، من الابتدائية حتى الجامعة. تخرّجت من قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في "جامعة الفاتح" ("جامعة طرابلس" سابقاً والآن)، قبل أن ألتحق بقسم الدراسات الشرق الأوسطية في "جامعة كولومبيا" بمدينة نيوريورك، حيث تابعت الدراسات العليا في مجال الأدب العربي والنقد الفكري العربي، وحصلت على درجة الدكتوراه في النقد الأدبي العربي القديم. علاقتي باللغة العربية بدأت منذ أكثر من خمسين سنة ولمّا تنقطع.

■ ما أول كتاب ترجمتِه وكيف جرى تلقيه؟
لا أعتبر نفسي مترجمة محترفة؛ إذ لا أترجم إلّا للأصدقاء وفي سياق البحث. أترجم جُملاً أو مقاطع، أو حتى فقرات من النصوص التي أدرسها في الأبحاث العلمية، مثلاً. لكنّي أترجم للجمعيات الخيرية بدون مقابل، وأيضاً للأصدقاء. ترجمت قصصاً قصيرة وأشعاراً وفصولاً من الروايات للدوريات العلمية إهداءً وتكريماً للزملاء الذين تقاعدوا، ولمجلّة "بانيبال" ودورية "آداب الشرق الأوسط"، أو عندما يطلب الأصدقاء مساعدتهم في مشاريعهم في الترجمة. وفي المناسبات أترجم للكتّاب أو الباحثين العرب غير الناطقين باللغة الإنكليزية. لذلك أعمالي في الترجمة قليلة جداً. ترجمت، في الفترة الأخيرة، قصصاً قصيرة للكاتبة العراقية الكردية هيفاء زنكنة، وصدرت عن دار النشر التابعة لـ"جامعة سرقوسة" نهاية العام الماضي.

هذا لا يعني أنّي لست مهتمّة بالترجمة. بالعكس، فأنا أشارك مارينا وارنر في ورشة نُديرها حول الأعمال الأدبية العربية المترجمة إلى اللغات الأوروبية، وحول دور الترجمة في الإبداع الأدبي بصفة عامّة، وفي أوروبا بصفة خاصّة. ننظر إلى الترجمة كجسر يجري من خلاله التحاور بين اللغات والآداب والثقافات، ما يؤدّي إلى الإبداع والتطوّر. لذا، كثيراً ما أستضيف المترجمات والمترجمين في كلّية الدراسات الشرقية والأفريقية، بـ"جامعة لندن"، راغبةً في لفت النظر إلى أهمّية الترجمة في عملنا كباحثين في الأدب العربي ونقده، والتنوّع في الكتابة العربية وجَمالِه، والأهمّ من ذلك أنه من الممكن أن نتواصل مع الأدب العربي من خلال الترجمة.

علاقتي بالعربية بدأت منذ أكثر من خمسين سنة ولم تنقطع

■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
أودّ أن أترجم، إلى الإنكليزية، كتاب "ذمّ الهوى" لابن الجوزي. أعتبر هذا العمل من أهمّ الأسس المعرفية لمفهوم الأدب في الثقافة العربية، ويجب على كلّ مُحِبّ للأدب في العالم الاطّلاع عليه.

■ ما العقبات التي تواجهك كمترجمة من اللغة العربية؟
عدم استطاعتي ترجمة الشعر الموزون. ماذا أصنع بالبحور والقوافي عندما أنقل الشعر من العربية إلى الإنكليزية مثلاً؟ ربما يرجع ذلك إلى ضعف السمع أو السماع عندي. الرقص والغناء بعيدان كلّ البعد عنّي. وأيضاً الفرق الشاسع بين الإيقاع الشعريّ في اللغتين. أمّا الإيقاع السردي أو الفكري، فلا أجد صعوبة في التعامل معهما، وأيضاً التصوير. مقدرتي في التنظير تساعدني في ترجمة كتابات هيفاء زنكنة، مثلاً، فهي تتعامل مع اللغة على مستوى مفهوميّ بشكل عام.

"ذمّ الهوى" لابن الجوزي من الأسس المعرفية لمفهوم الأدب

■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظرين إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
ونلاحظ أيضاً التركيز على القصّ، خاصّة الرواية المعاصرة، على حساب الشعر والأدب القديم. المكتبة العربية Library of Arabic Literature ساعدت في نشر النصوص العربية مع ترجمات إنكليزية يقوم بها أكاديميون من أميركا الشمالية وأوروبا، وقد عملتْ على تقديم الأعمال الكلاسيكية العربية، وليست كلها أدبية، إلى قرّاء الإنكليزية. والمكتبة العربية تواجه نفس المشكلة التي نجدها في حقل الترجمة، حيث إن اهتمامات المترجم هي التي تقرّر اختيار النصّ، بالإضافة إلى نوعية الترجمة (التي قد تكون سليمة فقط، أو سليمة وفنّية في نفس الوقت). وللأسف، من النادر أن نجد مَن ينقل الأعمال الفكرية أو النقدية أو حتى الأكاديمية المهمّة من العربية إلى الإنكليزية، وذلك لأسباب عديدة. بطبيعة الحال، للمقدرة اللغوية دورٌ في هذا، فالترجمة تستند إلى إتقان اللغتين في شخص واحد وآن واحد، وكذلك التعمّق في الأطر المعرفية الكامنة في اللغتين: جمْع كلّ هذه المهارات في شخص واحد أمرٌ نادر.

وبكلّ تأكيد، لدى الباحثين الأكاديميين في الجامعات والمؤسّسات العلمية، في أميركا الشمالية وأوروبا، اهتمام بترجمة الإنتاج المعرفي العربي، ولديهم القدرة المعرفية واللغوية لذلك. فقد ترجموا عبد الفتاح كيليطو، ونصر حامد أبو زيد، مثلاً، لكنّهم يقضون معظم وقتهم في البحث والتدريس والأعمال الإدارية، فلا يجدون سعة في حياتهم للترجمة. والأهمّ من ذلك: مَن منهم يطّلع على الإنتاج المعرفي العربي؟ قلّة. وقد يكون التساهل في النظام المتّبع في تقييد المصادر والمراجع في المنشورات المعرفية العربية معضلةً أخرى. فالترجمة تصبح مشروعَ بحث آخرَ يتطلّب الرجوع إلى كلّ المصادر والمراجع للتدقيق في الاقتباسات المذكورة منها أو غير المذكورة، لكنْ في الوقت الذي يتطلّبه هذا، يمكن للباحث منّا إكمال مشروع بحث يتقدّم به للترقية. المكانة العلمية للترجمة مشكوكٌ فيها داخل القطاع الأكاديمي في بريطانيا وأميركا، لذا يؤجّل معظمنا مشاريع الترجمة إلى ما بعد التقاعد. 

وهدا لا يعني ألّا نحاول تعريف العالم بالإنتاج المعرفي العربي، لكنّ عملاً كهذا يحتاج إلى مشروع جماعي يتعاون فيه المهتمّون بتعريف التراث المعرفي العربي للعالم في انتقاء أعمال تستحق الترجمة، ودعم مالي يسمح للمترجمين بالتفرّغ والقيام بعملهم في جو من الاطمئنان وراحة البال.

التعايش في تعدّدية لغوية وثقافية تجربة يصفها الأدب العربي 

■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
الأدب العربي جزء من التراث الإنساني العالمي، من خلاله نتعرّف على معنى الإنسان من كلّ جوانبه، الجسدي والعاطفي والفكري والروحي، لكن في سياق جغرافي وتاريخي وثقافي فريد. والتعرّف على هذا التراث مهمّ لنا جميعاً، خاصّة لأننا الآن نعيش في عالم وحّدته لنا التكنولوجيا ويجمع، في الوقت نفسه، كلّ التعدديات المعروفة، اللغوية والثقافية. أصبح ضرورياً أن يلمّ كلّ منّا أطرافاً من اللغات والثقافات المختلفة حتى نعرف كيف نتفاعل مع مَن حولنا من الأشخاص والجماعات بشكل فعّال. والتعايش في ومع التعدّدية اللغوية والثقافية ــ بكل ما في ذلك من الصراع والعنف والتعايش السلمي ــ تجربةٌ تصفها وتحلّلها النصوص الأدبية العربية، قديماً وحديثاً، وتقدّم نماذجَ إنسانية رائعة في شكل إبداعي وبأسلوب جمالي لا مثيل له في الآداب العالمية الأخرى. العمق الإنساني في التراث الأدبي العربي ثروة تغنينا كلّنا.


بطاقة
Wen-chin Ouyang أكاديمية ومترجمة وُلدت في تايوان ونشأت في ليبيا، حيث درست في قسم اللغة العربية بـ"جامعة طرابلس"، قبل أن تُكمل دراستها في "جامعة كولومبيا" الأميركية. تعمل بروفيسورة للأدب العربي والمقارن في "مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية" بـ"جامعة لندن". صدرت ترجمتها الإنكليزية لكتاب "حياة معلّبة" (قصص) للكاتبة العراقية هيفاء زنكنة نهاية العام الماضي عن منشورات "جامعة سرقوسة"، كما نقلت إلى الإنكليزية نصوصاً شعرية وسردية وفصولاً من روايات للعديد من الكتّاب العرب، من بينهم جمال الغيطاني ومحمود الريماوي. من منشوراتها البحثية "النقد الأدبي في الثقافة العربية الإسلامية الوسيطة: صناعة التراث" (1997) و"شِعرية الحبّ في الرواية العربية: الدولة القومية والحداثة والتراث" (2012).

أصدقاء لغتنا
التحديثات الحية

المساهمون