هزليات السياسة الأسدية (19)

هزليات السياسة الأسدية (19)

11 يناير 2020
+ الخط -
أدهشنا الأستاذ كمال بالمعلومات التي رواها عن أيام الطفولة والصبا الخاصة بالمدعو نديم شَفَلَّحْ عضو مجلس الشعب السوري، فقد زعم أن "شَفَلَّحْ" كان يعمل في صباه بصفة أجير عند بائع سندويش في "عَبَّارة الأوقاف" الكائنة وسط مدينة حلب. وأكد لنا أن هذا الفتى المسكين كان يعاني من اضطهاد مركب، فقد ترك المدرسة لأن معظم معلمي صفه كانوا يضربونه بلا شفقة، سواء أأخطأ هو أم أخطأ غيرُه من التلاميذ! يعني أن المعلمين كانوا قد اتخذوا منه دريئة، وجعلوه ملطشة.. وعندما كان يصل إلى البيت وهو يمشي بطريقة (الفَشْكَلة) على أثر الضرب المبرح على قدميه، أو يضع يديه المتورمتين من شدة الضرب تحت إبطيه، كان والدُه يسأله عما جرى معه، فيقـول له: 

- يوب وألله ما في شي، كنت ميشي في الصآء، ومن دونْ ما إنتبهْ دستْ على قشرة موزة، وزحطتْ، ووقعتْ على طولي، ورُكَبِي انجرحوا، وسندتْ بإيديّ ع الأرض، يا يوبْ، قاموا إيديّ صاروا يوجعوني.    

يقول ذلك لأنه لو قال لأبيه إن معلم الصف ضربه فسوف يقول له إن المعلم على حق حتماً، ومؤكد أنه لم يكن ليضربه لو لم تكن قد صدرت عنه تصرفات تنم عن الجحشنة والحيونة.. ويضيف: 

- أنا بعرفك منيح، إنت يا إبني جحش نظامي.. 

ثم يرفع يديه إلى الأعلى ويقول: يا رب دخيل إسمك، أنا أيش عيمل لحتى أجاني هالولد الطشنة اللي طول النهار بيسبّبْ لي مشاكلْ وبيخليني أتبهدلْ مع الناس؟ إلهي ربي بجاه سيد المرسلين يا إما اصلحُه يا إما ابعتْ له طرطيرة مسرعة تضربه وتموته بركي بخلص منه.

قال كمال: 

- على كل حالْ، المعلمْ صاحبْ محلّْ السندويش اللي كان "شَفَلَّحْ" يشتغلْ عنده كان أرحمْ من والدُه ومن معلمين المدرسة، لأنه كانْ يكتفي بتوبيخُه وبهدلته، وفي بعض الأحيان كان يصيحْ فيه صوتْ يخلّيه يْخَشّبْ ويتجمدْ في مكانه متل اللام ألف.

 

قال أبو محمد: أنا لحدّ هلق يا أستاذ كمال عم بستنى إنك توصّلنا للزبدة، وتحكي لنا شلون هادا "شَفَلَّحْ" صار معه مصـاري بالملايين بعدما كان فقير أندبوري عايف حالُه.

قال أبو الجود: أي والله يا أستاذ كمالْ، كرمالْ خاطري احكي لنا، بركي منعملْ متلُه وبيصيرْ معنا شوية مِيَّاتْ أو آلافاتْ.. ترى بَسّ مِيَّاتْ أو آلافاتْ.. لأني أنا صرتْ كبيرْ بالعمر وإذا بدي أعملْ ملايين ما عاد ألحّقْ.

قال أبو جهاد وهو يشوبر بأصابعه: يا حبيبي. كلما بيسمع أبو الجود بشغلة بيفكرْ يطبقها على حالُه. روح بالأول يا أبو الجود اشتري موتوسيكل "فيسبا" واشتغلْ عندْ بَيَّاعْ سندويش في عبارة الأوقاف بحلب، ووَصِّلْ سندويش لـ الإرهابيون، وبعدينْ بتعرفْ شلونْ بيصير معك مِيَّاتْ أو آلافاتْ. تفضل أستاذ كمال، كمل قصتك. 

قال كمال: بصراحة ما بعرفْ شلونْ تْشَكَّلِتْ ثروة نديم شَفَلَّحْ بالضبطْ، لأني أنا من إدلب، وهوي حلبي.. إنما سمعتْ عن تشكيل ثروته رواياتْ متضاربة، في وحدة منها بتشبه الأساطير. بتقول هالرواية إنه صاحب مطعم السندويش اللي كان شَفَلَّحْ يشتغل عندُه، بَعَتُه في يوم من الأيام ليكبّ الوَسَخْ في الحاوية القريبة من جامع العبارة، وهوي راحْ ينفذ المهمة كالعادة، وبعدما كَبّْ الوسخْ لقى بجنب الحاوية جنتاية عتيقة، فارتفع عند الفضول ليشوف أشو قصتها. فتحها. لقى في داخلْها مفتاحْ.. مسك المفتاح وزَتُّه في قلب الحاوية، وبعد شوي عثر جوات الجنتاية على ورقة مكتوبْ عليها عبارة: (يا مَن عثرت على هذه الحقيبة، خود المفتاح الموجودْ في داخلها، واذهب إلى "حي البلليرمون"، وامشي في الشارع الرئيسي حتى توصَلْ إلى محل "فَرُّوج أبو صفُّو"، وبعد هذا المحل بستة أمتارْ بتلاقي باب مرسومة عليه طَبْعة كفّ بخمسْ أصابيعْ، ادفوشْ البابْ وادخولْ، وراح تلاقي إنه هالبيت فيه خمس غرف، ادخول تاني غرفة على إيدك اليمين، في صدر الغرفة بتشوفْ خزانة خشبية، افتحها بالمفتاح، بتشوف تنكة مليانة "ترابة الهلُّكْ"، فضيها عَ الأرض بتلاقي في أسفلها كومة أساور دهبية وفضية وألماسية، خدها وروح لعند أي صايغ بتعرفه، وقل له بدي أبيعها، وراح يدفع لك فيها مبلغ كبير.. المطلوب منك يا أخي الكريم إنك توزع ربع المبلغ عَ الفقراء والمحتاجين وتطلب منهم أن يقروا الفاتحة عن روح المرحوم "الحاج محمد دَكُّو"، وخود التلات رْبَاعْ الأخرى إلك حلالْ زَلَالْ).. 

قال أبو محمد: كتير حلوة هالحكاية، بتشبه الحكايات اللي كنا نسمعها من نانتي الحاجة فطوم لما كنا زغار. 

قال كمال: تتمة الرواية بتقولْ إنه نديمْ شَفَلَّحْ دَخَّلْ راسُه في قلب حاوية الزبالة، وصارْ يبحبشْ فيها، لحتى لقى المفتاح اللي رماه قبل شوي، وأخده وراح عالعنوان.. ولما وصل لعند الباب صار يتلفت يمين ويسار حتى ما حدا يشوفه، لأنه إذا بيطلع الحكي الموجود في الورقة صحيح راح يقبر الفقر والذل والبهدلة من أبوه ومن معلمه.. وبالفعل دخل، وعمل متلما هو مكتوب في الورقة، فلقى الأساور الذهبية والفضية والألماسية بالفعل في عقب التنكة الملانة (ترابة الهلُّكْ)..

قال أبو ماهر: اسمحوا لي بجملة اعتراضية. شو يعني ترابة الهلُّكْ؟

قال كمال: نوع من التراب موجود في تلة ترابية موجودة بحي الهلُّك بحلب، في السابق كانوا النسوان يحطوه تحت الطفل الرضيع، لأنهن بيعتقدوا إنه بيمتص إفرازات الطفل. وفي ما بعد استغنوا عنه، لأنه الأطباء حاربوه وقالوا إنه غير صحي. ومتلما بتعرفوا صار في شي اسمه حفوضات جاهزة..  

قال أبو ماهر: طيب خلونا نسمع بقية الحكاية.

قال كمال: باع نديم شَفَلَّحْ الأساورْ والحلي والمجوهرات بمبلغ كبيرْ، وما وزع عَ الفقرا أي شيء، وبَطّلْ فوراً من شغله، وتخلى عن موتوسيكل الفيسبا، واشترى تلات دكاكين في نفس العبارة، وفتح الدكاكين على بعضهم، وجاب مهندس ديكور ورَخَّصْ مطعم كبير.. ومع إنه بحياته ما راح على الحجاز أطلق على نفسه لقب الحاج نديم. وصاروا يختصروا اسمه بكلمة (الحجي)..

قال أبو محمد: وبعدين؟

قال كمال: القصة طويلة. خلونا نشرب فنجان قهوة ومنكملها.

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...