سيارات سورية أسدية (7)

سيارات سورية أسدية (7)

19 سبتمبر 2019
+ الخط -
عَلِقَ لسانُ "أبو الجود" بسقف حلقه أثناءَ ما كان يحكي لنا حكايته مع دورية المخابرات التي قرعتْ عليه الباب في يوم ما من أيام حكم حافيييظ الأسد.. رأى أن عناصر الدورية كثيرون ومدججون بالسلاح، وقد توزعوا حول الباب بطريقة اقتحامية، فارتعب، وتذكر، على الفور، زيارتَه التاريخية لهم حينما تشابَهَ اسمُه مع اسم صيدلاني معارض لـ حافيييظ الأسد يحمل نفس اسمه "عبد الجواد محمود المحمد"..

وبينما كان الأصدقاء الحاضرون في سهرة الإمتاع والمؤانسة يُطَيِّبُون خاطرَه، ويناولونه الماء ليبل ريقه، ضحك أبو جهاد وقال له:
- يخرب بيتك يا "أبو الجود" شقدك جبان ورعديد. أولاً نحن في سنة 2019 وحافييظ مات من تسعطعشر سنة، وشي غريب إنك حتى الآن خايف منه.. وتانياً نحن في إسطنبول، على بعد آلاف الكيلومترات عن سورية، يعني حتى وريثُه اللي بيضحك بدون مناسبة مو ممكن يوصل إلك ويعاقبك لأنك عم تحكي عن اللي خَلَّفُه.. وتالتاً: نحن أصدقاءك، يعني مانَّا دورية مخابرات ولا كتّاب تقارير، ناس أوادم حبابين مستحيل نئذيك أو نئذي غيرك..

قال أبو الجود بعدما استعاد حيويته وإحساسه بالفكاهة:

- الحقيقة أنا مو خايف منكم، وحاشاكم إنته والشباب تكونوا شبيهين بمخابرات حافييظ.. لاكن أنا بخاف من ذكاءَك يا أبو جهاد، بصراحة ذكاءَك بيخوّفْ (لا سينَمَا) إنك شجاع وما بتخاف من بيت الأسد!

ضحك كمال وقال: (لا سينما) قصدك لا سِيَّمَا؟

قال أبو الجود: والله ما بعرف. أنا بسمع الناس هيك بيقولوا.

دخل أبو محمد على الخط: بعد إذنكم يا شباب، قصدي أبو الجود وأبو جهاد والأستاذ كمال. يا ريت تخلونا نرجع لموضوعنا ونعرف أيش صار بين أبو الجود ودورية المخابرات.

قال أبو الجود: لما عرف رئيس الدورية إني خايف ما يكون سبب الاستدعاء ناتج عن تشابه أسماء بيني وبين شي دكتور أو صيدلي ضحك وقال لي:

- بالعكس، نحنا منعرفك حق المعرفة، مو إنته أبو الجود اللي عم تبحث عن عمل بصفة سائق سيارة؟ قلت له: نعم. قال لي: طيب، تفضل معنا المعلم بيريدك.

قال أبو زاهر: في بعض الأوقات رئيس فرع المخابرات بيطلب من العناصر يجيبوا لُه شخص لأسباب غير أمنية، ومع ذلك العناصر بينزلوه ع القبو وبيعملوا له فلقة ضمن الدولاب. بتعرفوا قصة مدرس الرياضيات اللي طَلَبُه رئيس الفرع حتى يعطي دروس لبنته اللي في البكالوريا؟ بعد تلات أيام من الطلب رئيس الفرع سألْ عناصرُه: جبتوا لي مدرس الرياضيات فلان؟ فرد عليه واحد منهم: سيدي جبناه واعترف بكل شي!

قال أبو الجود: المشكلة أنا ما عندي شي إعترفْ فيه. ومن حسن الحظ ما حطوني في الدولاب، بس الشي اللي عملوه معي أصعب من الفلقة تبع الدولاب بكتير.

قال أبو ماهر متشوقاً: شو عملوا معك؟

قال أبو الجود: راح إحكي لكم بالتفصيل. يا سيدي، هادا رئيس الفرع تبعهم كان يسرق ويرتشي ويتسلبط عَ البشر، ويجمع مصاري، وكلما صار معه مبلغ منيح كان يشتري سيارة "ميكروباص" وينمّرها عمومي، ويحط على هالميكروباص شوفير، وكل راس شهر يبجوا شوفيرية الميكروباصات ع الفرع، وبيسلموه غَلّة الشهر. أنا قلت لحالي "فخار يكسر بعضه"، المهم بالنسبة إلي إني آخد إجرتي وإصرف على العيال.. لا سينما إنه أختكم أم الجود كانت بهديكة الأيام تخلّف بمعدل ولد واحد كل سنة، وفي بعض السنين تكون حامل بتنين، فتضربني بالجوز (يعني تجيب لي ولدين دفعة واحدة).. ولما أخدوني العناصر لعند الضابط اكتشفت اكتشاف غريب.

قال كمال: شو اكتشفت؟

قال أبو الجود: صحيح هادا الضابط سارق المصاري سرقة، ومو تعبان فيها، بس هوي بخيلْ لأبعدْ الحدود. سألني: قديش بدك أجرة يا أبو الجود؟ قلت له يا سيادة الضابط، المتعارَفْ عليه هون في البلد إنه الشوفير بياخد إجرة خمسة آلاف ليرة في الشهر، وبياكل وبيشرب وبيدخن من غلة السيارة. أنا كرمالك باخد أربعة آلاف، وبالألف الباقية حضرتك بتدعي لي إنه أم الجود تنصاب بمرض يخليها تبطل تجيب ولاد! قال لي: اخراس ولاك. عم تنكت؟ بشرفي أنا بشيل جوز عيونك. حيوان.. أنا بوقتها انكمشت وبَطَّلْتْ نَكِّتْ. قلت له: أمرك سيدي. خلص أنا ما راح إحكي شي. تفضل إنته إحكي. فقال لي: بدي أعطيك ألفين ليرة كل شهر. وبشرفي المدني، وشرفي العسكري، وشرفي الديمقراطي إذا ما بتجيب غلة منيحة بدي أخلي الشباب ينزلوك ع القبو ويحطوك في الدولاب ويضربوك فلقة.

قلت له: أمرك سيدي.

ومن وقتها ندرت على نفسي إني بدي إسرق من الغلة. وهادا اللي صار..

سأله أبو محمد: كيف كنت تسرق من الغلة؟

قال: سرقة الغلة شغلة كتير كويسة ولذيذة، راح إحكي لكم عنها بالتفصيل الممل بعدما نشرب كاسة شاي وسيجارة حمراء طويلة، لا سينما إني كنت مرعوب ولساني علقان بسقف حلقي.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...