الطاقم الإداري يداهم الصفوف

الطاقم الإداري يداهم الصفوف

07 اغسطس 2019
+ الخط -

بعد حضوره ستَّ جلسات "إمتاع ومؤانسة" أو ربما سبعاً، أعلن المربي الفاضل الأستاذ مجيد الدردي أن الإنسان الذي يكون في موقع المُعَلّم أو المُدَرِّس لا يمتلك فكرة واضحة عن كواليس المدرسة التي يعمل فيها، وأن الفكرة الحقيقية يمتلكها التلاميذ أو الطلاب الذين جلسوا على مقاعد الصفوف، فَهُمْ أصحابُ القضية الأصليون، وأما المعلم والجهاز الإداري فهم يمثلون الطرف الغريب المتعالي.. وبما أن معظم المعلمين كانوا يؤمنون بجدوى ضرب التلاميذ وإهانتهم، فالشيء الطبيعي أن يحتفظ التلاميذ بأسرارهم، ويكتموها عن المعلمين -الأعداء- بشكل خاص. "أبو الجود" رسخ هذه القناعة عند الأستاذ مجيد عندما قال له فجأةً: بتعرف يا أستاذ أنه ربع الطلاب اللي كنت إنته تعلمهم بيدخنوا سجاير؟

قال مجيد: لا، أبداً. أنا بعرف إنه التدخينْ ممكنْ يكون موجودْ في بعض الصفوف الجامعية. وحقيقة لما أنا كنت في الجامعة كنت أشوف بعض زملائي عمَّ يدخنوا خلال الفرص والاستراحات. أما طلاب الإعدادية والثانوية فبعتقد إنه مستحيل يدخنوا.

قال أبو إبراهيم: كلام أبو الجود هوي الصحيح يا أستاذ مجيد. أنا، مثلاً، تعلمت التدخين لما كنت في الصف التاسع. وما كنا نسترجي بوقتها ناخُدْ معنا سجايرْ ع المدرسة، لأني منخاف يضبطنا حدا من المعلمين أو المدير أو الإدارة متلبسين بالتدخين، وبوقتها ممكن نتعرض للضرب المبرح، وفوق الضرب لا بد ما يفصلونا من المدرسة بسبب سوء سلوكنا. لاكن كنا نتحايل عَ الموضوع ونخبي السجاير اللي منمتلكها في المقبرة القريبة من مدرستنا. 

 

قال أبو الجود: المقبرة مو بس قريبة من المدرسة، كنا نحن والمقبرة جيران (الحائط عَ الحائط). وفي يوم من الأيام، يا شباب، أعلنت البلدية إنه راح يتمّْ نَقْلْ المقبرة لمكانْ بعيدْ شرقي البلدْ، وإنه اللي بيحب ينقل رفات الميت الخاص فيه يتفضل ينقله إلى المقبرة الجديدة على طريق قرية "رامحمدان".. والأرض الموجودة في الطرف الشمالي من المقبرة تبرعت فيها البلدية لمديرية التربية، وبنوا فوقها المدرسة.. وبالفعل الأهالي نقلوا الرفات، وبقيت هياكل القبور والشواهد موجودة بالجوار تبعنا.. وصار في سور حجري ارتفاعُه مترين يفصل بينا وبين بقايا المقبرة المهجورة، ونحن المدخنين كنا نتعربش أثناء الفرصة على السور وننط وننزل على المقبرة، وكل واحد ينبش الحفرة اللي مخبي فيها سجايرُه ووَلَّاعتُه، ونشعل سجايرنا ونبلش ننفخ الدخان من أفواهنا ومناخيرنا.. وبما أني منحوس -متلما بتعرفوا- تعرضتْ لموقفْ متل موقف العم أبو بدران مع سليقة البرغلْ!

ضحك أبو جهاد وقال: بصراحة يا أستاذ مجيد نحن مناحيس أكتر من أبو الجود، سبب النحس تبعنا إني مطلوب منا نسمع علاكُه، وهوي بيستغلّنا، وبيكون عم يحكي بشي بينتقل لشي تاني وبيخلينا نضيعْ.

قال مجيد: أنا بعرف شوية حكايات إلها علاقة بالسيد أبو بدران مع سليقة البرغل. الناس بيحكوا إنه أبو بدران كان يسلقْ الحنطة حتى يساويها برغلْ، وينشر "السليقة" على السطح لحتى تنشف وتيبس، ولكن بسبب حظه السيئ بينزل مطر، والمطر بيجرف السليقة وبينزلها في المزاريب باتجاه الزقاق.

علق أبو زاهر قائلاً: نعم. ومرة من المرات، بين شهر يوليه وشهر أغسطس، عمل أبو بدران مراقبة لحالة الطقس من خلال متابعة النشرة الجوية في التلفزيون السوري، وكان فيه مرتفع جوي راح توصل الحرارة فيه لـ 38، فامتلك الجرأة وسلق الحنطة، ونشرها ع السطح وهوي مطمئن.. ومع ذلك الدنيا غَيَّمِتْ وصارْ في رياح عاتية، وبعدها نزلت أمطار غزيرة، ومن يومها أبو بدران ألغى فكرة السليقة وصار يشتري برغلْ جاهزْ.

قال أبو الجود: يا سيدي أنا أول مرة سرقت من جيب أبي نص ليرة اشتريت فيها عشر سجاير شرق، دخنت واحدة وخبيت تسعة في المقبرة فنزلت مطر قوية والسجاير ما عادت صالحة للتدخين.. تاني مرة بعتتني الوالدة حتى أشتري لها حب ساريدون لوَجَعْ الراس، فاشتريت بدل الساريدون سجاير وجيت ع المقبرة حتى خبيهم دست ع العشب ووقعت ع الأرض والسجاير تكسروا وصاروا (عفيسة).. وتالت مرة غامرت وخليت السجاير معي ودخلت ع الصف، وقررت إنه لما منطلع ع الفرصة بدي دخن.. وبالصدفة، ولأول مرة في التاريخ، منشوف باب الصف انفتح ودخل المدير وأمين السر وشي خمس معلمين، وصاحوا فينا: قف.. كل واحد يرفع إيديه لفوق ويطلع لبره.. فطلعنا، وهادا الفريق التربوي التعليمي عمل تفتيش على دروج الطلاب، وأول غنيمة استولوا عليها كانت السجاير تبعي.. وبوقتا صارت قصة رهيبة.. 

وأضاف: إذا حابين تسمعوها وصوا لنا على أبريق شاي، وخلي حدا منكم يشتري لي علبة سجاير مختومة وأنا مستعد إحكي لكم إياها.    

(للحديث تتمة)

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...