السيدة الأنيقة في الدنمارك... تتأفف منهم

السيدة الأنيقة في الدنمارك... تتأفف منهم

15 سبتمبر 2018
+ الخط -
ذات صيف اسكندنافي، أشبه بربيع بلاد الشام، دعاني صديق "لنرى الشباب على البحر". وصلنا إلى بحر شمالي المدينة. سألته: ما كل هذه السيارات؟ حين أقحم سيارته بين سيارات التويوتا. ففترة التسعينيات ميزها التالي: إن اشترى 10 عرب مهاجرين سيارة أوبل تصبح أوبل "الأفضل" فيقتنيها كل الجمع. وإن اشترى بعضهم ستائره من لبنان تصبح الشقق السكنية في حالة استنساخ، بتجارة ستائر مربحة، وخصوصا أنها أصلا في تجمع سكني أخطأ فيه كثيرون بين شققهم وجيرانهم، بعد سهرة "الشدة"/ "الكوتشينة"، أو لعبة الورق.

كنت أسمع خلف الأحراش الصغيرة، من موقف سيارات مستنسخة متراصّة على مساحة من تراب وبحص، أصوات عائلات وليس "الشباب على البحر". تطلب الأمر دورانا لدخول "المرج"، المقابل للشاطئ.. "مقالي" ومشاوي وأراكيل وصراخ ومطاردة، تنغيم وتلطيش، وفق ذلك وأشياء أخرى، صوت فيروز وهدير البوستة ينافس جورج وسوف. باختصار "سيران بحر.." عربي، على شاطئ اسكندنافي. كأنك تدخل عالماً مختلفاً على مرج أخضر يقابله على مسافة قريبة شاطئ، وغير بعيد ميناء يخوت ومقاه ومطاعم لملاكها، من تلك الطبقة.


ما علينا..
"أهلا.. أهلا.. تفضل يا جار..".. لقمة من هنا ولقيمة من هناك يتناول صديقي "أبو الثائر"؛ المنتقل بعد سنوات للعيش في برلين بعد أن مل الغيتو فوجد نفسه بواحد أوسع، فيما أنا محرج. أشكر بلا. رغم جوعي. والحق يقال، تلك الحاتمية العربية أكثر ما يثير المحيط الغربي عن "كرم العرب".

سار الأمر كما سار، دون ترتيب، ومن بطانية إلى أخرى، أنصت وأراقب، هنا تذهب الرسميات وتحضر الحقائق، فجأة خطرت لي فكرة: برنامج إذاعي من وعن المكان، لم لا؟ بحت لصديقي عن الفكرة، صرت أكثر حماسة في التقاط المشاهد، استيقظت حواسي أكثر. وغاب تحفظي وتحررت من خجلي. ملتقطاً لقيمات الكرم العربي من يد من يعرفونني.
بعد 48 ساعة، كنت على الهواء في مدينة آرهوس. وكان "الراديو" صديقا للمنازل والسيارات. رحت أسرد سلبيات "اتكيت" التصرف في بلد غير معتاد من بين أشياء كثيرة أخرى على مشاهد طناجر الزيت فوق النار في الأماكن المفتوحة حيث يكثر الأطفال. ولا العشب الأخضر متحولاً لمستديرات محروقة. وبقايا طعام ونفايات. ولا هو متعود على السير عند "الحدود" الضيقة كممر مشاة، بين البحر والمرج، بتحوله إلى استعراضات "تلطيش". و"تفحيط" إثارة الغبار بالقرب من المشاوي والمقالي.

اللقطة التي أثارت حنق البعض علي. وهمسا حذرا حين أكون بين الجماعة، بمن فيهم الأصدقاء. حين نقلت كلام سيدة تجلس بأناقتها الكاملة على كرسي يستخدمه صيادون هواة. وعلى طاولة تنزه صغيرة. فنجان قهوة وبعض الفستق. وأركيلة. قائلاً: وليتها لم تفتح فمها أمام صديقاتها وجيرانها والضيوف.. فالسيدة، التي ظننت أنها "الأنيقة"، أثار غضبها مرور دنماركيين ودنماركيات بلباس البحر، مستطلعين بابتسامة جماعية وانحناءة تحية، بالقرب من جلستها الأقرب إلى "الحدود" بين المرج والماء. سؤالها الاستنكاري من خلف نظارتها الشمسية​ سمعه مثلي محيطها: "ماذا يفعل هؤلاء الأجانب هنا؟".

أمام أطفال ومراهقين يصبح وجود "الأجانب" مُستهجناً. "هم أجانب"، و"نحن ماذا؟". حينها دخل مهندس الصوت الفلسطيني يرفع صوت الموسيقى ضاحكا يحذرني: "لسانك سيسبب لك مشاكل". وقد فعل أكثر من مرة لاحقاً. فالنتائج ستتراكم لسنوات قادمة.