لم يكن هذا هو المقصود أبدًا

23 فبراير 2018
+ الخط -
(بؤسك أيّها الممانع)
نستطيع أن نقول بأنَّ السعودية ترتكب مجازر في اليمن، وتقتل الأطفال والمدنيين، فهل ستقول بأنَّ بشار الأسد يقتل المدنيين والأطفال ويفتك بالأخضر واليابس؟ نستطيع أن نقول بأنَّ في البحرين ثورة شعبيّة محقّة ضد نظام عائلي بغيض، وحصل تدخّل خارجي من السعوديَّة لإجهاضها، فهل تستطيع أن تقول بأنَّ الوضع في سورية أيضاً كان يستحق ثورة، وكانت سورية محكومة بمافيا أمنيّة - عائليَّة، وتدخل إيران وحزب الله كان له دورٌ حاسم في تدميرها. نقول بكلّ راحة وثقة بأنَّ إسرائيل دولة احتلال عنصريَّة، وتحاصر قطاع غزّة بشكل إرهابي وتقتل المدنيين، ومن حق أهالي قطاع غزّة (وجنوب لبنان أيضاً) الدفاع عن أنفسهم، فهل ستقول بأنَّ بشار الأسد يحاصر المدن ويجوّعها ليحقق مكاسب سياسيَّة، ومن حق الناس الدفاع عن أنفسهم. 
لا تستطيع طبعًا أيّها الممانع البائس، هذا صعب عليك، لأنَّ بنية الضمير لديك مُسوَّسة بشكل عميق، لأنَّ جزءاً عميقًا منك مصابٌ بعفنٍ شديد.

(عن تحميل الناس المسؤوليّة) 
لم يكن هذا هو المقصود أبدًا. ومخطئ من يحمِّل الناس مسؤوليَّة شكل الوضع الراهن. تلك المحاولة في التغيير، والبحث عن حياة أفضل، كانت نبيلةً ومحقَّة. سورية التي يدوخُ معتقلوها بعد أن يخرجوا من السجن بسبب عدم رؤية الشمس لشهور. سورية الاختفاء المفاجئ، وتجرّع الإهانة. ليس الناس مسؤولين عن فيديوهات حرق داعش للآخرين في أقفاص، والطلعات الإسرائيليَّة، وجنون أردوغان، وإجرام بوتين. أراد الناس الحياة، ولو قليلاً، فتفجَّر في وجههم كل قيح العالم، وتجلَّت كل أزمات العالم المعاصر. لم يكن هذا هو المقصود أبدًا. الأيادي الممدودة تحت الأنقاض، والوجوه الدامية، والأجساد المغبّرة، والمعاقون والأيتام. 
لم يكن هذا هو المقصود أبدًا، ومن يحمَّل الناس المسؤوليَّة، تمامًا يشبه الضابط الأسدي في الفيديو الشهير لما كان يدعس على الأجساد ويقول: "هاي هي الحريّة يلي بدكن ياها".

(عن الطائرة الإسرائيليّة) 
النظام الذي يجعلك لا تفرح لسقوط طيارة إسرائيليَّة، يجب أن يُسقَط.

(عن التنكيل بالجثث) 
التنكيل بالجثث هو معطى بشري وإنساني تاريخيّاً. كلمات مثل "وحوش" و"كلاب" هي سيئة جيّداً. لا تنكيل بالجثث في عالم الحيوان، وتقاليد الغابات. الأسود لا تنكّل بجثث الغزلان، والصقور لا تشوِّه جثث الطيور الأخرى. يأكل الحيوان فريسته ويمشي. القتل في عالم الحيوان هو قصدي، وبهدف التغذية، وليس إذلالياً أو تحقيرياً أو مشهدياً، كما أنَّ الاغتصاب غير موجود أبدًا. نرى ذلك في كثير من الفيديوهات، إذْ تهاجم النمور فرائسها فقط في حالة الجوع، وتتركها في حالة الشبع، ولا تقتل من أجل التسلية. الإذلال المعنوي هو فعل بشري، والعنف التحقيري هو منتج إنساني فقط. الكرامة في شريعة الغاب أكثر بما لا يقاس من حروب البشر. 
لا لتشويه قيم عالم الحيوان.


دلالات
دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسم المدوّنات وموقع "ضفة ثالثة".

مدونات أخرى