جريمة حافظ الأسد الكبرى

12 أكتوبر 2018
+ الخط -
لا إحصاء دقيقا للجرائم التي اقترفها الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، إذ ومنذ تمكنه من القرار بسورية، حتى قبل إعلانه الانقلاب على "زملائه وأصدقائه" بما يسمى الحركة التصحيحية، بدأ بسجن وقتل، حتى من ساهم بوصوله لكرسي الحكم. وإن كانت من علامات فارقة بجرائم الأسد الأب، ربما جريمة حماة، أو ما تسمى مجزرة العصر، أفقعها، إذ تم قتل وعبر ست مجازر متتالية في 2 شباط/فبراير 1982، زهاء 30 ألف سوري.

بيد أن الجريمة الكبرى التي اقترفها حافظ الأسد، تأتي عبر توريثه ابنه بشار للحكم من بعده، والاتفاق مع "أصدقاء وضباط" على تنصيب بشار بعد موت أبيه، من بينهم، أو أهمهم، العماد أول مصطفى طلاس، وزير الدفاع الأسبق، الذي آثر تسليم بشار كرسي أبيه...وإلا.
أما لماذا نرى بالتوريث، جريمة كبرى، تفوق حتى جرائم قتل الآلاف، التي اقترفها حافظ الأسد مع أخيه رفعت، بحماة وحمص وإدلب وحلب، خلال أحداث الإخوان المسلمين، مطلع ثمانينيات القرن المنصرم...

فالأسباب تتراوح وتتعدد، وجميعها تنتهي بأن توريث حكم سورية الكبيرة، لشاب صغير دون السن القانونية، ويعاني من أزمات نفسية، أكبر وأكثر كارثية، من جرائم الأسد الأب التي اقترفها عبر حكم سورية بالقهر والسطوة الأمنية، لثلاثين عاماً.
فإن بدأنا بالأسباب، من أن هذا الوريث استلم عن أبيه، دولتين ونصف الدولة "سورية ولبنان وتنظيمات فلسطينية" فخرج من لبنان في 26 نيسان/أبريل عام 2005 بعد جريمة مقتل رفيق الحريري، هنا لا نؤيد السيطرة على لبنان بقدر ما نوصّف، بعد 30 سنة من الوجود السوري إثر التذرع بطرد الإسرائيليين عام 1976، و من ثم خسر تأييد معظم التنظيمات وبمقدمتها حماس، قبل أن يخسر سورية منذ مطلع الثورة عام 2011، وما تلاها من إدخال المختلين ورهن طاقات وثورات البلاد .. والأهم، قتل نحو مليون سوري وأعاق مثلهم وهجر نصف الشعب.
قد لا ننتهي بأن الوارث عن أبيه، أخلّ بموازين المنطقة وأعاد فترة الاحتلال المباشر، وساهم بدخول روسيا كقوة عظمى ومحتلة وإيران كصاحبة حلم نكوصي فارسي، بل وكرس المناطقية والطائفية بسورية، بحيث لن تشفى البلاد وتلتئم الجراح، ربما لعقود طويلة.
بيد أن كل تلك الجرائم، وعلى أهوالها، ليست المقصودة بجريمة حافظ الأسد الكبرى، إذ نرمي لجريمة قلما تطرق لها الباحثون، وهي "كيف لأب، أي أب، أن يدفع بابنه وأسرته وطائفته، بل وبالبلاد جميعها إلى التهلكة".
بمعنى بسيط، مهما وصل المراقبون والقريبون والباحثون النفسيون، لمستوى الخلل والاضطراب والأمراض النفسية التي يعاني منها بشار الأسد، وبمقدمتها عقدة الرجل الثاني، والتي توّلدت جراء طغيان أخيه الأكبر باسل وإهماله له والاستحواذ على الاهتمام والرعاية والتجهيز للتوريث، فمن المؤكد أنه لن يصل الباحثون لحقيقة تكوين وإمكانات هذا الشاب، كما كان أبوه حافظ الأسد من معرفة. ما يعني، كيف لحافظ الأسد وهو العليم بإمكانات ابنه بشار وعجزه عن قيادة ربما صف مدرسي، أن يصمم على توليته حكم سورية بعده!
بشيء من الإنصاف، لم يكن حافظ الأسد ساذجاً أو مقامراً، ليرمي بابنه وآله وصحبه، إلى هذا الاختبار المعروفة نتائجه سلفاً، ما يعني، تحليلاً، أن الأب المورث، اعتمد على إمكانية تعلّم الوريث بعد وفاته، وخاصة أنه أوصى به أهم "رجال الدولة " من قبيل مصطفى طلاس وعبد الحليم خدام ومحمد ناصيف وغيرهم.
وظن الأسد المورث، أن مسؤولية الحكم واهتمام "الرفاق" ببشار، سيمكنانه من إدارة الدولة، وإن بالحدود الدنيا أو إلى أجل، ربما يتعلق ذلك الأجل بتسليم أخيه ماهر الذي كان هو الآخر، ضمن حملات التجهيز والإعداد للتوريث وحكم سورية من آل الأسد... ربما حتى الأسد الثاني عشر.
بيد أن تلك الاحتمالات والتحوط، بما فيه الارتباط الدولي والعلاقة مع روسيا، بل والاتفاقات السرية مع إسرائيل، لم تجد نفعاً وتقلل من مخاطر الجريمة الكبرى التي ارتكبها حافظ الأسد بحق ابنه وأسرته وطائفته... بل وسورية برمتها.
خلفية لمن يهمه الأمر.




منذ أيام قليلة، دشن "رجال الأسد" بمدينة حلب السورية، تمثالاً ضخماً للرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، وكتبوا خلفه "القائد المؤسس حافظ الأسد" دونما إشارة للذي أسسه، فهل يقصدون كما يروّج أنصاره، مؤسس سورية الحديثة، أم كما يقول معارضوه، مؤسس مملكة الخوف وحكم الاستبداد والتوريث... بل والبعض يشير لتأسيس المملكة الطائفية.
في لفتة للوراء، ولمن لا يعلم كيف وصل حافظ الأسد لحكم سورية، منذ 1971 حتى وفاته عام 2000، ليمتد حكمه عبر ابنه بشار، والذي لم يزل على كرسي أبيه، منذ ذاك حتى تاريخه، رغم قتله نيفا ومليون سوري وإعاقة مثلهم وتهجير نصف السكان وتهديم خمس مدن وتحميل سورية تكاليف حربه على الثورة، بأكثر من خسائر الحرب العالمية الثانية.
لمع نجم حافظ الأسد، أو دفعه من يهمهم الأمر ليلمع، منذ الانقلاب العسكري البعثي عام 1963، والذي يسمى بقواميس حروب البعث "ثورة الثامن من آذار" ليبدأ حكم البعث، وإن بشكل غير مباشر وعبر أدوات، حتى انقلاب عام 1966 والإطاحة بالرئيس أمين الحافظ، ليتبوأ حافظ الأسد إثر ذاك، منصب وزير الدفاع، ليكمل وفق الوثائق، تسريح الضباط ويؤسس لـ"التجانس" الذي أفصح عنه وريثه بعد نصف قرن بالتمام والكمال.
بعد استلام الأسد مهام وزارة الدفاع، وقعت حرب حزيران/يوليو عام 1967، أو ما تسمى تلطيفاً "النكسة" ليبدأ أهم ألغاز الأسد الأب، وخاصة أمره بإعلان سقوط القنيطرة قبل ساعات من دخول الجيش الإسرائيلي لها، وتضيع بالتالي محافظة القنيطرة جنوبي البلاد وتخسر سورية مرتفعات الجولان.
ولأن "الهزيمة" يكسوها الغموض وتلفها الألغاز، بدأت الخلافات والشكوك حول دور حافظ الأسد بتسليم الجولان، الأمر الذي دفع الساعي للكرسي، إلى أخذ دوره، أو أكثر من صلاحياته بقليل، حينما رفض المساندة الجوية للقوات السورية التي دخلت الأردن لمساعدة منظمة التحرير الفلسطينية في نزاعها مع الأردن، أو ما يسمى "أحداث أيلول الأسود" رغم أن الأمر جاءه من صلاح جديد، الأمين القطري المساعد لحزب البعث، والحاكم الفعلي لسورية منذ عام 1966.
وبعد ذاك، ربما معظم "الميكافيلليات" التي اعتمدها حافظ الأسد، معروفة، ابتداء من تنصيب أحمد الحسن الخطيب رئيسًا للجمهورية مؤقتًا، ليُجرى بعده استفتاء شعبي شكلي في 22 آذار/ مارس 1971 على قائد الانقلاب والذي سمي الحركة التصحيحية، ويستمر حافظ الأسد بالحكم، حتى مماته 10 يونيو عام 2000.