ذئب هيرمان هيسه

20 يناير 2018
+ الخط -
من الصعب أن يقيّم المرء نفسه، ولكني أعتقد أننا، أي أنا وأمثالي، كتابٌ دفاعيون ورومانسيون، نميل نحو الحَسم في طريقة التفكير. وهذا لا يعطي انطباعاً بـ "العَصرَنة". ولكننا، بذات الوقت، نبدو مستمرّين عبر الحد الأدنى لمفهوم التجربة.

أمثالنا يشبهون من زاوية معينة بطل رواية "ذئب البوادي" 1927. مع أني أرى أن هيرمان هيسه تخلى عن بطل روايته عندما جعله في نهاية العمل يفقد حريته، والتي تجنح لها ذاتيته، لصالح العبث اللعوب، لأن الغربة داخل المستذئب تشعره عميقاً بالعبث، من دون أن تخضع له عن قناعة راسخة.

لقد أفقد، هيسه، بطله تلك الحرية عندما سحب منه ألق عزلته لصالح ألعوبة الذكاء العصري الماجن عبر إدخاله في متاهات الصخب. لأن مثل ذلك الرجل كان قابلاً للتجربة، لكنه غير قابل للتعلّم من تلك التجربة ومن التفاصيل اليومية. وإنما خُلق ليغوص ويندثر في خِضَم ذاتيته المُفرطة. ولا أعتقد بطبيعة الحال أن ذلك يمثل رغبة جوفاء من ناحيتي في التعالي على الوضع الطبيعي للعيش من خلال إصراري على السلوك المختلف، بقدر ما يعكس جنوحاً متأصلاً من الكاتب نحو الحكمة، في الوقت الذي ليس ثمة جسر متين بين الذئب والحكمة الهادئة، وإنما الحكمة التي ترسو على ذاك الجسر هي الحكمة المتوحشة المنفردة.

معنى الحكمة عند الشخصية الرئيسية كانت بما تفرزه سلوكياته المتناقضة وجزئياته المتصارعة. إن روح الذئب متوحشة منعزلة وحسب. لقد جعل الكاتب لنهاية القصة نتيجة عادلة بالنسبة له. جعلها حكيمة مثله في حين أن أمواج الذات المضطربة لا شاطئ لها، وأفكار الرواية وسرد القصة لم يُنكرا ذلك. حكمة إدراك الأمور في الوقت المناسب عند بطل الرواية لم تكن موائمة بتصوري. فكرة الاستمرار عبر تعّلم الدروس من الحياة كانت مُحبطة مع أن البديل أيضاً كان ضبابياً وغامضاً بدوره.

"ذئب البوادي" تتحدث عن العزلة بِقدر حديثها عن الطريقة التي يمكن من خلالها تجاوز تلك العزلة بطريقة مُرضية وذات كفاءة. هي البحث عن أي محاولة لا تبقي المرء وحيداً في نهاية المطاف، في الوقت الذي يفتقد فيه المرء حسّ المغامرة، فيما يرفض عميقاً الزيف الكامن في خلفية العلاقات الاجتماعية.

الجزية الغريبة المتناقضة مع فكرة العزلة في هذا العمل، باعتقادي، هي استمرار بطل الرواية "هنريك" الكذب التقليدي.

وهنا يظهر تساؤل مفاده: إذا قرر هنريك العزلة، لماذا يستمر بالكذب التقليدي"، فهو غير مضطرٍ لذلك، إذ لم يعد بحاجة لتقييم المجتمع ونظرته المضنية للأشياء؟

لكن هنريك في حقيقة الأمر لم يحسم أمره، فهو ما زال متعلقاً بالأشياء الهشّة وبالسلوكيات غير المفهومة. ولأنه هكذا، فإنه سيظل يجرب هنا وهناك، حتى نهاية المطاف، وسط رغبة دائمة وحارقة بالانفلات نحو ذلك الذئب الكامن في الأعماق.

42BBA522-1BE8-4B0B-9E9A-074B55E2BCB4
معتز نادر

كاتب صحافي وشاعر.يقول: من المخزي أن ينسف طارئ نفسي أو عقلي معين كل ما أنجزته تجربة الذاكرة عبر سنواتها الطويلة.. إن هذا يؤدي إلى الحديث عن الموهبة الممزوجة بالصدق والنقاء، إذ برأيي ستكون أقصى ما يمكن أن يصل إليه المرء من كفاءة وروعة.وليس ثمة قضية أهم من مواجهة الإنسان لوحدته.. إن هذا العالم نهض على الأغلب من أشياء تافهة وغير ملفتة، وهذا ما يمنح الإغراء للبحث عن حياة نقية وأكثر نضارة.

مدونات أخرى