كيف يتعلم الطفل وأمه مهنة الحداد

12 سبتمبر 2017
+ الخط -


هذه حكاية رواها لنا الأديب الصحافي السوري الراحل سهيل خليل. تقول الحكاية إن امرأة مات عنها زوجها وترك لها ولداً شقياً لم يفلح في الدراسة والعلم، فراحت تفكر أن تعلمه مهنة يعيش منها حينما يكبر.

وقد ذاع صيت الولد في البلدة على أنه مراوغ (عونطجي)، يلف ويدور ويفبرك حكايات كاذبة ليستعين بها على فشله وإخفاقاته، وكان هذا كافياً لأن يمتنع أصحاب المهن عن قبوله صانعاً متدرباً لديهم. 

وفي يوم من الأيام عثرت هذه الأرملة المسكينة على حداد قلبُه طيب، أراد أن يساعدها ويكسب بها وبابنها ثواباً فقال له إنه يقبل بأن يتدرب ابنها على الحدادة عنده شريطة أن يكون ولداً عاقلاً مهذباً صادقاً مستقيماً لا يلف ولا يدور ولا يكذب ولا (يتطعوج). الأم الساذجة التي تحب ابنها على الغميضة وافقت، وقالت لابنها: سمعت يا ابني؟ لازم تكون متلما يقول معلمك.

قال لها بخبث: ولو يا ماما، سأفعل، معلمي بطبيعة الحال يريد مصلحتي.

تركت الأم ولدها فلذة كبدها عند الحداد وقفلت عائدة إلى البيت. وفي المساء عاد ابنها إلى البيت. قدمت له العشاء، فأكل، ونام. 

في الصباح أوقظت الأم ابنها ليذهب إلى دكان المعلم، فقال لها: ما في داعي أروح إلى دكان الحداد بعد الآن.

شهقت الأم وقد ظنت أن أمراً مكروهاً حصل البارحة وقالت: ليش يا تقبر عظامي؟

قال: لأنني البارحة تعلمتُ مهنة الحدادة. 

قالت الأم ببراءة: شلون؟

قال: الحدادة يا أمي سهلة جداً. بتجيبي قطعة حديد، وبتحطيها في الكير، وهو عبارة عن فرن حامي، وبتقلبيها يمين ويسار حتى تصير حمرا ولينة، ووقتها بتطالعيها من الفرن وبتحطها على السندان، وبتطرقيها بالمطارق لتصنعي منها ما يلزم لك: فأس، كريك، بوري، قادوس، رف حديد.. 

سُرَّتْ الأم بمقدرة ابنها الوحيد على التعلم، وقالت له: إذا هيك نام حبيبي.

فعاد الولد إلى النوم، وبعد حوالي ساعة قرع الباب، فخرجت وفتحته فإذا بالحداد جاء يسأل عن سبب تأخر الصانع عن الدوام. فقالت له:

شكراً يا أخي. ابني تعلم الحدادة وما عاد فيه داعي يروح لعندك.

قال الحداد مندهشاً: تعلم؟ كيف؟

قالت المرأة: الحدادة يا أخي سهلة جداً. بتجيب قطعة حديد، وبتحطها في الكير، يعني الفرن، وبتقلبا يمين ويسار حتى تصير حمرا ولينة، ووقتها بتطالعها من الفرن وبتحطها على السندان، وبتطرقها بالمطارق وبتساوي منها ما يلزم لك: فأس، كريك، بوري، قادوس، رف حديد..

تمتم الحداد: يخرب بيت هالصانع شو ذكي، مو بس تعلم الحدادة، كمان علمها لأمه.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...