إذا كبر ابنك اشتر له علبة سجاير

01 يوليو 2017
+ الخط -
حكى لنا أحد الأصدقاء عن قرية "افتراضية" يدخن أهلها كلهم، وبضمن ذلك الأولاد الصغار.. قال: 

- بمجرد ما يتخلى الطفل في هاتيك القرية عن "الحفاض" ويبدأ بالمشي، يقيم له الأهل حفلة مطنطنة، يقدم فيها الشاي والقهوة والمتة، وتُطْرَشُ السجائر على المدعوين.. ووسط التهليل والتصفيق، وزغاريد النساء، والهتاف (الله يساور دوس دوس وهيه) يقف أبو الولد ويقدم لابنه كروزاً من السجائر مختوماً، ويقوم أحد مجايلي الولد (كأنه إشبينه!) بحمل القداحة ويشعل لزميله موضوع التدشين أولَ سيجارة في حياته، فإذا غص بها أو سعل أو عطس، ضحك المدعوون، وهيصوا، وقالوا له بأصوات متداخلة:

- اصبر عليها يا بني، لا تخف، قريباً تعتادها، دخن عليها تنجلِ.. إلخ

وحينما ينتهي الولد من تدخين السيجارة الأولى تكون السكين في يد أحد أعمامه على رقبة الخروف، فيذبحه مفجراً دمه، بينما يرفع الأعمام الآخرون أيديهم إلى الأعلى بالمسدسات ويباشرون بالإطلاق ليشتعل سماء القرية بالنار والرصاص.

ويصادف في تلك القرية، من مبدأ "لكل قاعدة شواذّ"، أن يبقى شخص (وربما أكثر) نافراً من التدخين، فبعض الأجسام لا تستطيع التلاؤم معه.. هذا الرجل يعيش حياته منبوذاً مذموماً لا يقول له أحد مرحباً، وأخواته الصبايا يبقين في البيت عوانس، حتى ولو كن مدخنات عتيدات، فالعبرة في هذه الأمور للمَخْوَل، والعريس الذي يكون بصدد خطبة إحداهن سيقول لنفسه:

- بخاف إذا تزوجتها يطلعوا ولادي غير مدخنين متل خالهم.   

وذات مرة، عقد أقارب أحد الأشخاص غير المدخنين مؤتمراً عائلياً، بدأه كبير العائلة بأن قال للرجل: تفو عليك، وطيت راسنا وبهدلتنا، الله يبهدلك.

وتشجع أكثر من واحد من العائلة وشرعوا يوبخونه وينخزونه في صدغه، إلى أن تدخل واحد من المعتدلين فقال ملطفاً الجو:

- ما يصير هيك يا أبا فلان، لازم تدخن حتى ولو على أعين الناس!    

وتدخل شخص ثالث قائلاً: أنا عندي حل. برأيي أن نشيع بين الناس أن ابن عمنا أبو فلان كان مريضاً، ومعه تقرير طبي أكبر من ملحفة اللحاف بأن أية سيجارة يدخنها ستودي بحياته، وأما الآن، فقد عوفي والحمد لله، وهو يدخن "الطاق طاقين" لكي "يطالع الفرق".  

وبما أن الحياة تؤخذ بالمظاهر، وما يُرى بالعين أكثر إقناعاً مما يرد خبرُه عبر الأذن، فقد خرج المؤتمر بتوصية رئيسية مفادها أن يرتدي هذا الشخص كلابيات شفافة، وأن توضع علبة السجائر في الجيب العُلوي، وأن يتحامل الرجل على نفسه ويدخن طالما هو خارج البيت، و.. حسبنا الله ونعم الوكيل.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...