من البحر الميت إلى روما

من البحر الميت إلى روما

01 ابريل 2017
+ الخط -
لا تشفي ملوحة البحر الميت الجسد العربي من جراحه المثخنة. ظلت قمم عربية أخرى في ذاكرتنا الجمعية تسجل بيانات، في ذيلها وديباجتها كثير من الآمال التي تطوى إلى قمة أخرى ننتظرها وهكذا. نعيش في العالم العربي نشهد افتتاح قمم وننتظر أخرى.

أسأل أبي كم شهدت قمماً عربية في عقودك الثمانية، وكم شهد جيلي مثلها. تنتقل الى أبنائي ثم أحفادي، هل تذكر مقرراً من مقررات القمم العربية، أتاح لك أن تعبر بغير الأحلام المكتوبة "لمستقبل" ما؟ كيف أسأل إن كنت حينها أحلم بالمستقبل وكذا أبناء جيلي ننتظر تحقيق الشعارات نصف قرن، تكرار ونسخ لجمل ممجوجة عن فلسطين والتكامل الاقتصادي، وبرامج التنمية البشرية والصحة والتعليم والإسكان، والتجارة البينية الى "رأب الصدع" في البيت العربي، وتبني قضايا المرأة والطفل والسياحة والمناخ وترقب الحضور والضيوف والسفراء.

تفقد القمم أهميتها وجوهرها منذ سبعة عقود تقع في ذات الأخطاء لجهة تقدير الإنسان العربي وتنجح في تكريس الخيبة والقلق.

تتقزم الأحلام وتتسع الجراح، منذ قمة أنشاص الأولى 1946، نُسرف في الكلام وتقضم إسرائيل بيانات القمم العربية، نتعرض لهزّات كثيرة يحملها الواقع العربي لنعيش حالة عطالة تامة تشبه البحر الميت في كل شيء. تتجمع الأملاح فوق الأحلام والجراح. لجوء وفقر ومرض وتخلف واستبداد وقمع للحريات وحروب وقتلى ودمار. كلما ذهب الزعماء العرب الى قمتهم تكون برامجهم مزيداً من الشقاق. جيل وراء جيل، نطرح أسئلتنا الساذجة: هل تتغير أحوالنا بعد القمم أم يزيد الوضع سوءاً وتدهوراً؟ كانت الأسئلة منذ عقود تحمل بعض الأحلام حتى نقع في حفر الواقع. ليست عثرات تلك التي نواجهها، كوارث تجرف أمامها كل شيء لم نتمكن من صدها، الثابت فيها تقزيم ولجم الإنسان العربي.



حين تسأل عربياً في المهجر، عن انتمائه، تفرح في لقائه بين الهرج والمرج، تسأله، هل أستطيع "زيارة بلدكم/نا" العربي بوثيقة سفر أوروبية؟ يرتبك مندهشاً من السؤال، تحاول أن تعيد سيرة الذاهبين الى صقيعهم ومنفاهم، هل تعنيهم قمم عربية تقيم سياجاً حول اللاجئين؟ يجيبك بسخرية، تستطيع التجول بوثيقة سفرك بـ22 دولة من الاتحاد الأوروبي، نعم تذكرت قمة روما، قبل أيام وقبل ستة عقود، نجحت في وضع ملامح وحدتها الأوروبية التي تسمح لـ500 مليون نسمة من مواطنيها بحرية الحركة وتسمح لي ولك التجول في عالم رحب.

بات لملايين العرب حدود ضيقة وبحار يهيمون خلفها، الفارق بين قمة أنشاص 1946 والبحر الميت 2017، صار أشّقاء اللاجئين الأوائل لاجئين بالملايين من ستة أعوام، توزعوا بين القطبين جلّهم ينتظر في خيام قريبة أو تحت العراء. استبدل كيس الطحين وعلبة السردين بكرتونة المساعدات. وفي ديباجة القمم الست الأخيرة من عمر كارثتهم، يشار الى قضيتهم "بالإنسانية" حفاظاً على توازنات وحسابات "أهميتها" أن تعقد القمة ونشهد تسليم واستلام رئاستها، كل البرامج الواردة في بيانات القمم ترمى في البحر نكاية لعدم مصداقيتها، ما لم تخرج من العقل الميت الى الجسد الحي، وما لم تعد الاعتبار للإنسان ستبقى كل القمم ميتة حتى لو سميت بقمة الصمود أو التضامن أو التآخي أو أية كذبة جميلة تشبه البحر الميت ولا تشبه بحر الروم.

AF445510-4325-4418-8403-7DA0DAAF58C1
نزار السهلي
كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في فرنسا يقول: طقسٌ رتيب في الرحيل وشقاء ولجوء، يعقبه حلم لا ينطفىء في زمن غير معلوم تحدده الإرادة العليا، هي ملامح سحنتي التي تشبه انتحاب اللاجئين في المُثل الواهمة.