عن المقارنة الغبيّة

02 ديسمبر 2017
+ الخط -
غير دقيقة أبدًا المُقارنة بين العُنف الإسرائيلي وعنف النظام السوري. العنف يُقاس بالسِّياق، وبنية الكيان الممارس للعنف، وليس بالكميَّة بشكل أساسي. إسرائيل تُقدِّم نفسها كدولة ديمقراطيَّة تعتمد النظام الديمقراطي الليبرالي البرلماني (وهي فعلاً كذلك).

وفي هذا النظام الحديث، ثمَّة جدار عنصري عازل، وقوانين عرقيَّة عنصريَّة ضد الفلسطينيين، وحواجز كريهة، وحصارٌ إرهابيٌّ لقطاع غزّة، وقتلٌ للمدنيين بالطائرات والأسلحة المحرَّمة، والأهمّ من كلّ شيء، هي دولة احتلال شرّدت شعباً كاملاً كي تنشأ.


إسرائيل دولة حديثة، ولا تستطيع أن تستخدم نمط عنف نظام الأسد، لأنّه مضاد لطبيعتها،
 ومُفكِّك لبنيتها، ومُحلِّل لسرديّتها. إسرائيل لا تستخدم العنف الأسدي، ليس لدوافع أخلاقيَّة، بل لدوافع بنيويَّة لها علاقة باستمراريَّة بنيّة الدولة الإسرائيليَّة الاستعماريَّة. 

من هنا تأتي بشاعة وفداحة العنف الإسرائيلي، والذي هو عنف دولة احتلال عام، وليس عنفاً مليشياوياً (تحرص إسرائيل على عدم تشكّل ميليشيّات مسلّحة ذات طابع اجتماعي أو أهليّ خارج نطاق الدولة). أمَّا نظام الأسد، فهو نظام مافيوزي لا يعيش صراعاً مؤسساتيّاً. وبنية النظام الأسدي ليست بنية دولة حديثة، ولم يدّع الديمقراطيّة أو الليبراليّة يوماً ما.

الأسديَّة هي نخبّة سياسية - اقتصاديّة، تأخذ الحيثيّات الطائفيّة والأهليّة بعين الاعتبار، وتمتلك مليشيات أهليَّة طائفيَّة ذات طابع ريفي. والعنف المليشياوي يختلف عن عنف الدولة الحديثة. 
بشاعة العنف تُقاسُ بالبنية وليس بالكميَّة، والمقارنة "الذكيّة" التي تظهر الطرف الإسرائيلي أخلاقياً هي مقارنة، للأسف، غبيَّة.

(عن "الاحتكاك الثقافي")

من أقسى تجارب الاحتكاك بالثقافة الغربيَّة، هو أنّني، في بداية قدومي إلى ألمانيا، لم أكنْ أعرف أن أميّز المنتجات الغذائيَّة عن مستحضرات التنظيف في السوبر الماركت. وذلك بسبب انعدام اللغة الألمانيَّة، وضعف الثقافة البصريَّة المقتصرة على المنتجات السوريَّة (علكة "منطاد"، جوارب "السماح"، معجون "سنسوداين"). المهم، اشتريت معجون أسنان، وصرت أفرشي أسناني يوميّاً. لاحظتُ أنّ المعجون يسبب حرقة هائلة في فمي، وليست لديه أي رغوة، وفيه طعمة غريبة مالحة، ويعلق بين أسناني. ففسَّرت الأمر بقوّة الصناعة الألمانيَّة وغرابتها، وأن "الجماعة شاطرين". المهم، بعد نحو شهر، استقبلت ضيوفاً كانوا سيطبخون في البيت، سألوني إذا كان لدي خلّ في المطبخ، جوابتهم: "لا والله"، بعد نحو ربع ساعة، قال أحدهم إنه يوجد خل في البيت، ويبدو أنني وضعته بالخطأ في الحمام.


دلالات
دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسم المدوّنات وموقع "ضفة ثالثة".

مدونات أخرى