صباح الخير "مدرسةَ فرانكفورت"

20 أكتوبر 2017
+ الخط -
من دون البحث عن "مدرسة فرانكفورت" هل يمكن أن تكتمل زيارة مدينة فرانكفورت؟ لكني أعلم أن المدرسة لا أثر لها كبناية أو معلم، وإن توقّعتُ بأنه يوجد بقايا آثار أو بقايا كتابة palimpsestes بالمعنى الذي وضعه جيرار جينيت، بقايا في المخيّلة وفي النصوص وفي المكان.

لم تكن "مدرسة فرانكفورت" معهداً يأتي إليه الطلبة ويسلّمهم الشهائد العلمية، ولم تكن حلقة منتظمة مثلما هو الحال مع حلقتي فيينا أو براغ. كانت نقطة التقاء جماعة فكرية من أجيال مختلفة، بنية فوقية للحظة ألمانية شتّتها المنعطفات التاريخية. إنها في كلمة مدرسة أفكار، فلا تحتاج إلى فضاءات تسكن فيها أو إليها.

ما الذي يمكن أن نجده منها على الأرض؟ إنها تتبع "جامعة غوته" في فرانكفورت، وهذه حين يأتيها زائر يسلّمه عون الاستقبال خارطة لمبانيها العشرة التي تمسح المعارف طولاً وعرضاً؛ فلسفة وعلم نفس وطباً واقتصاداً وعلوماً دينية ورياضيات وغيرها.

حين تسأل أحدهم عن الـ"فرانكفروتر شوله" (حسب التعبير الألماني) سيدلّك إلى مبنى "معهد الدراسات الاجتماعية" ولن تجد فيه الكثير مما تتطلّع له، فهذا الربط اختزالي بشكل خانق. يبدو المبنى المقصود بلا ذاكرة؛ بناية حديثة من المؤكّد أنها ليست تلك التي شيّدت في 1923 أو تلك التي أعلن فيها سنة 1951 عن استئناف نشاط "المدرسة".

بشكل عام ليست "جامعة غوته" في فرانكفورت مثل هومبولت البرلينية أو جامعات فرايبورغ وغوتنغن، حيث يمكن الوقوف أمام مقاعد بسمارك وهايدغر وهيغل وماركس وأنشتاين. فقط يمكن التقاط آثار أدورنو الذي تحمل الساحة الرئيسية اسمه، أو بعض القاعات والممرات التي تحمل أسماء هوركهايمر وماركيوز اللذين هاجرا، مثل أدورنو، إلى أميركا. أميركا نفسها دمّرت خلال الحرب العالمية الثانية معظم فرانكفورت ثم أعادت بناءها.

وإذا كانت المدرسة قد استكملت أعمالها وأفكارها في أميركا، أي إن أميركا كانت امتداداً لـ "مدرسة فرانكفورت"، فإننا في الاتجاه المعاكس سنجد مدينة فرانكفورت برمّتها امتداداً لأميركا في قلب أوروبا حتى أطلق عليها لقب "ماين ــ هاتن" في تحريف لغوي بسيط لـ مانهاتن مع إدماج اسم النهر الذي يشق المدينة؛ الماين.

غيابُ مكان محدّد لـ"مدرسة فرانكفورت" له شبه بأشياء كثيرة فيها، فهي كانت تجسيداً مبكرّاً عن الرغبة في إنجاز مقاربات عابرة للتخصّصات؛ موضة العلوم اليوم، وقد أنتجت نظريات موزّعة بين المعارف. وطالما وجد مؤرّخو الفكر صعوبة في إيجاد خيط ناظم بين أطروحات المنتسبين إليها، وبالتالي وضع حدود يطمئنّون إليها في تصنيفاتهم. بل إننا نجد أن أسماء مثل إريش فروم ووالتر بنيامين ويورغن هابرماس، يختلف حولها كثيرون إن كان ممكناً أم لا وضعها تحت سقف "مدرسة فرانكفورت".

وكأن الاسم وُجد أصلاً من أجل حصر ما لا يمكن حصره، هنا يجدر أن نذكر أنه ظهر متأخراً عن صدور أعمال أساسية لـ هوركهايمر وأدورنو.

لماذا إذن البحث عنها؟ يبدو أنه مجرّد ولع بالمعالم. ويبدو أن "مدرسة فرانكفورت" لا تريد أن يجري اختزالها في معلم يجده زوّار المدينة جاهزاً ومحدّداً فوق خارطتها مثل تمثال أو حديقة.