الهيئة العليا للمفاوضات بين الواقعية السياسية والتمسك بالثوابت

20 أكتوبر 2017
+ الخط -
لم تقم الأمم المتحدة عبر تاريخها بإيجاد حل حقيقي يفضي إلى النزول عند رغبة الشعوب وتغيير حكام الدول، وذلك من مبدإ "سيادة الدول، وعلى الرغم من الخبرة الطويلة التي امتلكها كوفي عنان في دهاليز القرار العالمي إلا أنه فشل في تغيير ذلك "العقد" الذي تشكلت على أساسه عصبة الأمم حين تولى ملف الأزمة السورية.



لم يلتفت إلى ذلك الأخضر الإبراهيمي الذي خلف "عنان"، لكن الماكر ستيفان دي ميستورا التقطها منذ البداية وعرف أن حل اللغز يتطلب التخلي عن المشاعر الإنسانية والأخلاقية، والمضي بإعادة شرعية النظام وإعطائه الصفة الاعتبارية، مقابل تمييع المعارضة السورية وعدم إيجاد جسم وحيد يمثلها.


وجد دي ميستورا ضالته في روسيا التي استفردت وحدها بالملف السوري، بعد تراجع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي عن الساحة. حيث أفرغت مفاوضات جنيف من جوهرها الذي يركز على تحقيق الانتقال السياسي، وعجزت الأمم المتحدة عن إدخال علبة حليب واحدة إلى المناطق المحاصرة، وبات دورها يقتصر على توفير الغطاء الكامل للنظام من أجل الاستمرار بجرائم القتل والتهجير القسري بهدف إعادة الأراضي إلى سلطته.


تصدر موسكو للمشهد جعل كافة الدول الداعمة للمعارضة السورية تتراجع عن موقفها، وتشكيل ضغط جديد عليها يضاف إلى الضغوطات السابقة، وإغراقها بعناصر من منصتي القاهرة وموسكو للقبول بالرؤية الروسية للحل في سورية تحت مسمى "الواقعية السياسية".


لم يعد أمام الهيئة العليا للمفاوضات إلا خيارات محدودة أهمها التشبث ببيان مؤتمر الرياض والذي لا يقبل بوجود بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، وتحمل كافة الضغوط التي قد تأتي من أقرب الدول الداعمة للهيئة بعد تماشي بعضها مع مقاربات جديدة لا تتوافق مع مصالح الشعب السوري والثورة السورية.


أو الرضوخ لتلك الضغوط والقبول بإدخال عناصر أقرب إلى النظام من المعارضة، مما قد يتسبب باستقالة المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات د. رياض حجاب، وهو الأمر الذي يهدد الهيئة بأكملها، حيث يشكل حجاب ركيزة أساسية في إيجاد التوافقات والتوازنات بين مختلف مكونات الهيئة ولا نبالغ حين نقول حتى بين الدول، فالرجل يحظى بقبول واسع لدى مختلف الدول العربية والأجنبية وهذا ظهر بوضوح خلال زيارته الأخيرة لمدينة نيويورك الأميركية مع وفد الهيئة وسلسة اللقاءات المهمة التي عقدت على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة.


وهاجم حجاب بوضوح منصة موسكو وقال عنهم إنهم "صنيعة مخابراتية"، كما لفت الانتباه إلى وجود أشخاص في المعارضة السورية يقبلون ببقاء الأسد رغم التضحيات التي بذلها الشعب السوري في نيل الحرية والكرامة، وهو ما يدل على أن حجاب لن يقبل أن يكمل هذا المشوار إذا ما تم التنازل على بند رحيل بشار الأسد وزمرته الحاكمة.


لقد اقتربت لحظة الحقيقة وعلى جمهور الثورة الالتفاف حول من يحمي حقوقهم ويمثلها في المحافل الدولية، والإصرار على إكمال الخطوات التي سارت باتجاه إحداث التغيير الشامل والجذري في سورية، ولفت انتباه الأمم المتحدة إلى أن الأراضي السورية باتت مرتعاً للمليشيات الطائفية والمجرمين، بتواطؤ بشار الأسد الذي يهدد بقاؤه الأمن والسلم الدوليين ومبدأ "سيادة الدول" أيضاً.

3971C490-3BB1-45FD-809E-CCE5A8AF71CA
يوسف الشاطي

ناشط اجتماعي ومدون. له العديد من المقالات في الصحف العربية ومتحدث في مؤتمر "تيدكس". شارك في العديد من المؤتمرات العالمية والعربية مثل مؤتمر الأمم المتحدة لمنع الجريمة، والعدالة الجنائية، وقمة العمل الإنساني.