ليبيا... شروخ في معسكر الدولة المدنية

ليبيا... شروخ في معسكر الدولة المدنية

29 نوفمبر 2022
+ الخط -

ما زالت العاصمة الليبية، طرابلس، تعاني حتى اللحظة من تداعيات الحرب التي شنّها الجنرال خليفة حفتر، في إبريل/ نيسان 2019، والتي استمرت قرابة أربعة عشر شهراً؛ تعرّض خلالها المدنيون والبنية التحتية لأضرار بليغة، خاصة فيما يتعلّق بانفجار الألغام التي خلفتها قوات حفتر ومرتزقة "فاغنر" الروسية.

حفلت مرحلة ما بعد الحرب بمحاولات سياسية داخلية وبمؤثرات خارجية تمخضت عنها حكومة المهندس عبد الحميد الدبيبة، والتي عرفت بحكومة الوحدة الوطنية، على أمل أن تكون حكومة كلّ الليبيين، وتسيطر على كافة التراب الليبي، وذلك بعد أن نالت الثقة بعدد غير مسبوق من أعضاء البرلمان، تجاوز مئة وثلاثين صوتاً.

ولكن "يا فرحة ما تمت"، إذ سرعان ما قام البرلمان في طبرق، وبإيعاز من قوى خارجية بحجب الثقة عن الحكومة التي انتظر منها الليبيون الكثير، آملين أن يتفق ساستهم على حكومة تنتقل بالبلاد مما هي عليه من مآزق سياسية اقتصادية، وتفكك في البنى الاجتماعية؛ إلى وضع مستقر وآمن.

وبحجب الثقة عن حكومة عبد الحميد الدبيبة، بدأت مظاهر الشروع في المرحلة الثانية من خطة السيطرة على طرابلس، وهي مرحلة التغلغل السلمي من خلال العمل على تفتيت الجبهة المتمركزة في المنطقة الغربية، حيث يركز معسكر "الكرامة"، ومن خلفه من قوى إقليمية، على السيطرة على العاصمة طرابلس لأسباب عديدة منها؛ أنّ طرابلس عاصمة البلاد، وأنّ إدارة الأقاليم التاريخية الثلاثة المكوّنة لدولة ليبيا كانت تدار مركزياً من طرابلس باستثناء زمن قصير في عهد الملك محمد إدريس السنوسي (1951-1969). يضاف إلى ذلك بالإضافة، تمركز أكبر كثافة سكانية من الليبيين في طرابلس، وتجمع وتركز معظم الأحزاب والمؤسسات والشخصيات الوطنية، وحتى القوى العسكرية المؤمنة بمشروع الدولة المدنية في المنطقة الغربية بصفة عامة، والعاصمة طرابلس بصورة خاصة. ويمكن القول إنّ طرابلس أصبحت المعقل الأخير للقوى الوطنية الداعمة لمشروع الدولة المدنية.

يضاف لما سبق، اقتناع كلّ القوى المتصارعة أنّ الحسم في المعركة الدائرة، سيكون في العاصمة طرابلس، فمن يسيطر على العاصمة سيمسك بالجزء الأكبر من مفاتيح البلاد.

ومن خلال تمركز قوى المشروع المدني في طرابلس وفشل أصحاب المشروع العسكري واستحالة الحل العسكري، تمّ الشروع في محاولة اختراق وتفكيك المعسكر المدني. وكانت الخطوة الأولى تكمن في شلّ حركة حكومة الوحدة الوطنية، ومنعها من بسط سيطرتها على كامل التراب الليبي ومنع رئيسها من النزول في بنغازي من قبل قوات "الكرامة"، ومنعه من زيارة الجنوب من قبل القوات العسكرية التابعة لخليفة حفتر في الجنوب، مما حصر وجود الحكومة الفعلي على مدن المنطقة الغربية التي لا تقع تحت سيطرة قوات خليفة حفتر.

 قوى مدنية الدولة غير موّحدة ومفكّكة وقابلة للمزيد من التفكيك، إن لم تتدارك أمرها وتجتمع رايتها على رمز جامع

أما الخطوة الثانية، فتتمثل في اختراق صفوف القوى الفاعلة في المنطقة الغربية، متمثلًا في شخص وزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا، من خلال قبوله تشكيل حكومة أطلق عليها اسم، حكومة الاستقرار الوطني، كبديل عن حكومة الوحدة الوطنية من قبل البرلمان في طبرق، وبعدد أصوات قليل جداً، لتحظى بمباركة وتأييد خليفة حفتر، ورفض شبه تام من القوى الوطنية المدنية والتشكيلات العسكرية في طرابلس، مع عدم اعتراف من حكومة عبد الحميد الدبيبة الذي يصرّ على التسليم لحكومة منتخبة.

أما الشرخ الثاني، فقد ظهر بعد شرخ حكومة باشاغا، وتمثّل في إعلان رئيس مجلس الدولة المتمركز في العاصمة طرابلس، خالد المشري، والذي كان الرافد السياسي لمعسكر مدنية الدولة، اتفاقه مع رئيس مجلس النواب المتمركز في طبرق، عقيلة صالح، على التفاهم على تقاسم المناصب السيادية وإمكانية تشكيل حكومة ثالثة، مما سبّب ردّة فعل عنيفة داخل المجلس الأعلى للدولة الذي كان متماسكًا، فظهرت الانشقاقات بين صفوفه وخرج بعض أعضائه مؤيداً لإجراءات المشري والبعض رافضًا لها.

وأدى هذا إلى عرقلة اجتماعات المجلس بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني لعقد جلسات المجلس بحسب اللائحة الداخلية التي تنظم جلسات المجلس. وكذلك تعرّض مقر المجلس للحصار من قبل بعض المواطنين والمؤسسات المدنية مع اتهام المشري للدبيبة بإرسال قوات عسكرية لمنع المجلس من عقد جلساته.

وبهذا الشرخ توسّعت الانشقاقات في معسكر المنطقة الغربية الذي تجتمع فيه كلّ القوى، من كافة مناطق ليبيا، والداعمة لمدنية الدولة. والأيام حُبلى بالجديد، حيث إنّ العمل على تفكيك معسكر الدولة المدنية مستمر وبقوة، تحت رعاية قوى دولية وإقليمية، والأداة المستخدمة لتحقيق ذلك محلية بامتياز؛ في حين أنّ قوى مدنية الدولة غير موحّدة ومفكّكة وقابلة للمزيد من التفكيك، إن لم تتدارك أمرها وتجتمع رايتها على رمز جامع.

فرج كندي
فرج كندي
فرج كُندي
كاتب وباحث ليبي. مدير مركز الكندي للدراسات والبحوث.
فرج كُندي

مدونات أخرى