غزة: الأرض الصغيرة التي تحاصر إسرائيل
ها هي غزة، تلك القطعة الصغيرة التي لا تتعدى مساحتها 360 كيلومترا مربعا، والتي تعتبر أكبر تكتل سكاني في العالم بـ1.8 مليون نسمة، تدخل يومها السابع والعشرين من العدوان الإسرائيلي على أراضيها، وتستمر في حصد أرواح شهدائها وجرحاها، جلهم من الأطفال والنساء، حيث بلغ العدد الأولي للشهداء والمصابين 400 في مجزرة جديدة على مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين، شمالي القطاع، هذا وقد سبقتها مجازر أخرى دمرت أحياء بكاملها بقصف عنيف ومكثف يسجل جرائم الإبادات الجماعية للمدنيين.
هذه الإبادات التي يتخذها بنيامين نتنياهو ذريعة أمام حكومته أولاً والعالم ثانياً على أنها وسيلته للدفاع عن إسرائيل أمام حركة المقاومة "حماس''، حيث أعلن وبشكل واضح، منذ دخوله الحرب بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أن هدفه الأول يكمن في القضاء على حماس، وأنها معركة وجود بالنسبة لإسرائيل فإما "نكون أو لا نكون".
وقد تصدرت هذه العبارة شاشات الإعلام الغربي والعربي وهو يخطب في جنوده لتحفيزهم على الدخول في ''حرب برية'' للانتقام لأسراهم، ورد الاعتبار بعد الهزيمة المدوية التي هزت هيبة "الجيش الذي لا يقهر".
تكاد تصدق من خلال هذه التصريحات أن نتانياهو ورفاقه على استعداد وجاهزية استراتيجية وعسكرية "مخيفة" لكسب رهان هذه الحرب المعلنة وتحقيق أهدافها في أسرع وقت
للوهلة الأولى، تكاد تصدق من خلال هذه التصريحات أن نتنياهو ورفاقه على استعداد وجاهزية استراتيجية وعسكرية "مخيفة" لكسب رهان هذه الحرب المعلنة وتحقيق أهدافها في أسرع وقت وبأقوى الأسلحة والمعدات العسكرية والحربية، إلا أننا اليوم وبعد مرور 27 يوما على وعوده باجتياح غزة برا والقضاء على المقاومة، وهي مدة تعتبر طويلة الأمد بالنسبة لمجريات حرب هجينة غير متناظرة بين رابع أقوى جيوش العالم وحركة تحرير مقاومة، لا يزال نتنياهو يتخبط في تصريحاته الإعلامية التي تضمحل أهدافها يوما بعد يوم، فبعد الدفع نحو خطة اجتياح شامل لقطاع غزة، أوضح العضو السابق في الاستخبارات الإسرائيلية مايكل ميلشتين أنه "في الوقت الحاضر، تعمل القوات الإسرائيلية في الغالب على أطراف غزة، وفي الحقول الزراعية والقرى المهجورة، وحول معبر إيريز شمالي القطاع". ومن جهته، يعترف نتنياهو أن خسائره في حرب غزة مؤملة.
من جهتها، تناقلت مختلف المنابر الإعلامية حالة الصراع التي يعيشها الداخل الإسرائيلي، والتي سببها الأساس هو رفض القرارات "المتهورة" لنتنياهو، حيث دعت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الحكومة لعزل رئيس الوزراء من منصبه على الفور "في تصويت لحجب الثقة"، معتبرة أن بقاءه في منصبه "بمثابة مقامرة بمستقبل إسرائيل".
في المقابل، ورغم كل الدمار المحيط بها، والاشتباكات الضارية التي تخوضها المقاومة على أرض قطاع غزة، لا زالت كل البيانات والتصريحات لقياداتها، المتمثلة في رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية، أو أبو عبيدة الناطق الرسمي لـ"كتائب عز الدين القسام"، وغيرهم من فصائل المقاومة الفلسطينية، تؤكد الجاهزية التامة لأفرادها، وأن كل الجرائم المرتكبة من قبل العدو ما هي إلا "استراتيجية استعراض القوة" وإخفاء ضعفه العسكري على أرض الميدان، الذي لم ينجح حتى الآن في المساس بالبنية العسكرية للمقاومة، وبالتالي فإن كل محاولاته الضغط عن طريق سفك المزيد من دماء الضحايا الشهداء لن يزيد الكيان إلا تكبد مزيد من الخسائر، والتي لا يمكن إيقافها إلا بالتفاوض حول ملف الأسرى التي تدعو المقاومة فيه إلى تبييض السجون الإسرائيلية ثمنا لأسرى العدو.
بين تخبطات الجانب الإسرائيلي في الجبهة الداخلية، وتراجع مواقفه الدافعة نحو الاجتياح الشامل لغزة إلى محاولة دخول جزئي، ما زالت المقاومة الفلسطينية وشعبها الجبار عنواناً للصمود والعنفوان والحرية، ولا يزال العالم بشساعة أراضيه وشعوبه يقف مندهشا أمام بسالة وشجاعة تلك "القطعة الصغيرة"، التي تقف شامخة بشريان مقاومتها أمام عجز "القوة الكبيرة" بكل ترسانتها القوية عن النيل منها ومن شعبها الأبي.