طنجة: رحلة من الازدهار إلى الضياع

طنجة: رحلة من الازدهار إلى الضياع

20 فبراير 2024
+ الخط -

منذ بدء برنامج طنجة الكبرى، أصبحت المدينة نموذجًا حضريًّا لا مثيل له في المغرب والضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. احتضنت المعايير الدولية ومناطق حرة للتجارة والصناعة بطابع عالمي، مما أدى إلى انفجار الفرص الوظيفية والهجرة من مختلف أنحاء المملكة والعالم.

تدريجيًّا، بدأت المدينة تتحول، لكن هذه المرة باتجاه مختلف، حيث بدأت في توفير الراحة والاستعداد لاستقبال الأجانب فقط. أصبحت المدينة مزدهرة بالفعل، ولكن هذا الازدهار أصبح موجهًا بشكل أساسي نحو استقطاب السياح والأجانب. الفنادق الفاخرة والمطاعم العالمية والمرافق السياحية الحديثة برزت كرمز للتطور السريع الذي شهدته المدينة.

تغيرت البنية التحتية تمامًا لتلبية احتياجات ورغبات الأجانب، مما أدى إلى تحول الطابع العام للمدينة. المساحات العامة والمناطق الترفيهية تم تصميمها لاستقطاب السياح، مما يعكس التحول الكبير الذي طرأ على هوية المدينة.

أصبحت المدينة مجهزة ومريحة لأصحاب الدولارات. وبالتالي، تحتم على المواطن أن يتسابق مع السرعة التي تتماشى بها المدينة، حيث تحوله إلى إنسان آلي وبدون هوية. الانسحاب سيجعل منه شخصًا منسيًّا والمضي قدمًا مع التيار سيؤدي به إلى التهلكة، وما أصعب من أن يتم حصر الإنسان بدون وجهة أو موقف يستند إليه.

من بين الخدمات التي تأثرت هي وسائل النقل. لم يعد الهدف من النقل الوصول براحة وأمان بتكلفة معقولة، بل يتم اختيار الزبون بالدقة وبالاشتراط على المكان الذي يحدده السائق بدلاً من العكس. هذا التراجع المروع والتحول الشاذ لم تشهده المدينة من قبل، ولكنها أصبحت كذلك بسبب الطمع اللامحدود وانتشار الرأسمالية الجائرة.

في الآونة الأخيرة، شهدت مدينة طنجة ارتفاعًا في المباني وناطحات السحاب على حساب الحدائق التاريخية التي تعتبر رئة المدينة

في الآونة الأخيرة، شهدت مدينة طنجة ارتفاعًا في المباني وناطحات السحاب على حساب الحدائق التاريخية التي تعتبر رئة المدينة. حدائق المندوبية بطنجة مثلًا، واجهت صراعًا حيث تعرضت لإعدام عدد كبير من الأشجار العتيقة لبناء مواقف السيارات. لن أنكر أن هناك بعض الأماكن المنعزلة يمكن الهروب إليها لتنفس هواء البحر والابتعاد قليلًا عن صخب المدينة. ولكن حتى هذه الأماكن تبقى جزءًا من الواقع الشامل، ولا يمكن الهروب الكامل من الحالة العامة للمدينة.

إن الشعور بالاغتراب والعزلة أصبح جزءًا من الحياة اليومية، فالمدينة التي كانت تعتبر مركزًا حيويًّا في الماضي، الآن تبدو وكأنها فقدت هويتها ورونقها، مما يثير القلق والحزن تجاه ما أصبحت عليه هذه المدينة التي كنت في يوم من الأيام أحبها وأعرفها. في تصوّري، تلك المدينة السابقة التي كانت تنبض بالحياة والجمال، تحولت إلى مكان يشبه "جوثام" بألوانه المُظلمة وسلطة رجال الأعمال الذين يسيطرون على كل شيء. الأزقة المظلمة والساحات المهجورة تعكس الهيمنة الاقتصادية على حساب الإنسانية. ملامح المدينة الجديدة، التي تمتلك بريقًا من السابق، ولكن بظلال مظلمة، تصبح واضحة مع كل عبارة وزاوية يمر بها المرء. الأبراج الفولاذية الضخمة تملأ السماء، ولكنها لم تعد رمزًا للتقدم والابتكار، بل أصبحت رمزًا للسيطرة الاقتصادية والقوة المطلقة.

سكان المدينة السابقون الذين كانوا يمتلكون حياة مجتمعية حميمة ومعايير أخلاقية قد انحدروا إلى حياة يسيطر عليها الجشع والطمع. الشوارع الصاخبة والمزدحمة تعكس عجز الفرد عن الهروب من هذا الجحيم اليومي. ربما لن يتفق البعض مع وجهة نظري، وقد يكونون عدائيين لدرجة أنهم قد يلقون بالحجارة حرفيًّا، لكن الحلم الذي تريدون تحقيقه وترسخ في ذهنكم ما هو إلا نسخة طبق الأصل من كذبة "الحلم الأميركي".