سمر رمضاني إدلبي (8)

سمر رمضاني إدلبي (8)

09 مايو 2020
+ الخط -
عناصر أمن بغال، وعناصر جحاش 

حكيت للأصدقاء الساهرين عبر الماسنجر في جلسة السمر الرمضانية الإدلبية عن إبن عمتي الذي كان معلماً وكيلاً في الرقة أيام الوحدة، واتهموه بأنه شيوعي، وأخذوه إلى مقر الشرطة السياسية وضربوه بالعصي على رجليه، فكاد أن يجن، وبعدما أطلقوا سراحه أصيب بنوع من الشرود والخبل، وصار يجلس في المنزل منفرداً كما لو أنه في الحجر الصحي، مع أنه على زمانهم لم يكن ثمة كورونا.. وكان، قبل الاعتقال، متقدماً لامتحان البكالوريا الأدبي، وبعد خروجه من المعتقل أذيعت النتائج وإذا به حاصل على المرتبة الأولى ليس على طلاب محافظة إدلب فقط، وإنما على طلاب سورية كلها! وحينما انفصلت سورية عن مصر، قررت رئاسة الجمهورية السورية إرسال المتفوقين خلال السنتين الماضيتين في بعثات دراسية إلى أوروبا، واستدعي إلى دمشق والتقى مع الرئيس ناظم القدسي الذي سلمه وساماً، وقابله يومها وزير التعليم العالي وعرض عليه عدة خيارات لبعثات خارجية، فاختار دراسة الأدب الألماني، وعلى الفور أرسلوه إلى ألمانيا، وصار يدرس في مدينة فرنكفورت.. 

وكان كلما أتى إلى زيارة إدلب نلتقي به، وتدور بيننا أحاديث متنوعة، يحكي لنا خلالها عن الفرق الحضاري الكبير بيننا وبين الألمان.. وفي كل مرة كان يطرح علينا السؤال التالي، بغيظ شديد، كما لو أنه اعتقل قبل يومين فقط: 

- بدي أعرف بأي حق إنسان بيربط رجلين إنسان تاني وبيضربه؟

أبو جهاد: ابن عمتك عم يحكي بشكل عام. كان لازم يسأل إنه كيف واحد جحش بيربط رجلين واحد آخد الأول على سورية وبيضربه؟ 

أبو زاهر: إذا بتعمم هاي القاعدة يا أبو جهاد راح يبقى كلامك صح، لأن نحن كنا في تدمر أطباء ومهندسين ومحامين وجامعيين، حتى كان في بيناتنا واحد نصف فيلسوف، وما في ولا واحد من السجانين والجلادين متجاوز الصف السابع، وحتى الضابط اللي كانوا يطمشونا قبلما يدخلونا لعنده السقف تبعه بكالوريا بمجموع قليل، ومتابع بعدها بالكلية العسكرية، وهادا الضابط العسكري إذا بتنادي له أستاذ بيطق عقله، وبيقلك: فشرت ولاك، أستاذ واحد متلك يا كر!

أبو محمد: وين كنا ووين صرنا؟ هههه، صرنا بفرانكفورت. أبو إبراهيم وعدنا يكمل لنا قصة السائق عبدو اللي هرب وتخبى في الجبال لأنه خاف يروح على فرع الأمن وينضرب أو يتعذب. 

أبو ابراهيم: الحديث اللي حكاه أبو مرداس عن ابن عمته كان ضروري لحتى نتعاطف كلياتنا مع السائق عبدو، ونتأكد إنه الحق معه يخاف ويرتعب، لأنه بالفعل ما في أقسى من إنه إنسان يحط إنسان تاني في قلب الدولاب ويضربه، سواء هالإنسان مذنب أو غير مذنب. على كل حال أنا تحت أمرك عمي أبو محمد. من وين لازم نكمل؟

أم الجود: راح أبو رستم خاله لعبدو عند رئيس فرع الأمن العسكري وأعطاه رشوة محرزة، واتفقوا إنه يجي عبدو عَ الفرع، ورئيس الفرع بيتعهد إنه ما حدا يضربه أو يهينه، فقط بيسأله (شلون صارت حادثة الاغتيال في الميكرو؟) وهوي بيحكي له الشي اللي شافه، وبيوقع ع المحضر وبينصرف.

أبو ابراهيم: ممتاز. راحت زوجة عبدو لعنده ع الجبل، وحكت له اللي صار، وعلى الرغم من حالة الرعب، وافق عبدو إنه يروح، باعتبار إنه القعدة الطويلة في الجبل خلته يمل ويستوحش.

السيدة حنان: كويس إنه تخلص من الخوف.

أبو ابراهيم: لو تخلص من الخوف كانت أموره مشيت على ما يرام. بس اللي صار إنه الخال أبو رستم أحب إنه يخدم ابن أخته عبدو، فاتفق مع رئيس فرع الأمن العسكري إنه يبعت سيارة على بيت عبدو في أريحا، وهيك بتصير روحته عالفرع أسهل، وبالفعل أجت السيارة وفيها تلات عناصر بتياب مدنية عادية، وقالوا لعبدو: شرف معنا. وطلع معهن عبدو في السيارة، وقلبه عم يرجف من الخوف. وبعدما مشيت السيارة خطر له إنه يقول كلام حتى يكسر حاجز الصمت، وبنفس الوقت أحب يتقرب من العناصر منشان يحبوه، وما يخطر لحدا منهم إنه يضربه، فقال: والله يا شباب نحن في هالبلد محظوظين. بتعرفوا ليش محظوظين؟ لأنه في عندنا مخابرات. المخابرات أحسن بكتير من الناس العادية، بحضي بديني كل عنصر مخابرات أحسن من عشرة مدنيين، ليش؟ لأنه هدول بيحفظوا الأمن في البلد، المدنيين أشو بيجي من وراهم غير التخريب؟ كانوا العناصر عم يسمعوا كلام عبدو وعم يتبادلوا نظرات استغراب. فجأة سكت عبدو، وصار يحاول يتذكر اسم الفرع اللي لازم يراجعه، ما تذكر. فسأل العناصر: من أي فرع حضرتكم؟ ومع أنهم من الأمن العسكري قال أحدهم: 

- نحن من أمن الدولة. ليش عم تسأل؟ 

فتابع كلامه وقال إنه المخابرات بشكل عام أحسن من المدنيين، لكن المخابرات مو كلهم متل بعض. وعلى حسب ما بسمع دائماً إنه عناصر أمن الدولة أحسن شي بين كل العناصر الأمنية اللي الله خلقهم، ناس مربايين في بيوتهم، وكلهم ذكا ولباقة وحسن معاملة، يا خيو كِبَار، وإذا الإنسان بيريد الحق، عناصر الأمن العسكري مانهم كويسين، لا علم ولا ثقافة ولا ذكا، وواحدهم متل البغل الشموس، بتقدم له العَليق بيرفسك بالجوز! إلهي ربي وين في عنصر أمن عسكري تمحقه من الوجود.

ضحك أحد العناصر وقال لعبدو: 

- أنا سمعت إنه كل عنصر من الأمن العسكري في إله دنب، بس بيخبيه تحت البنطرون! 

فتشجع عبدو وضحك وقال له: الكذب حرام، أنا ما شفت الدناب تبعهم، بس والله ما بستبعد.. بتعرف ليش ما بستبعد يا رفيق؟ لأنه تصرفاتهم بتدل على إنهم دواب بالفعل!

أبو جهاد: أنا شايف نهاية السائق عبدو قربت. جماعة الأمن العسكري بالفعل دواب، وأكيد ما راح يسكتوا له على هالحكي.

أم زاهر: هوي غبي. كل الحكي اللي قاله ما إله لزوم.

كمال: الخايف يا ست أم زاهر متل القاتل اللي بتلاقيه طول النهار عم يتواجد في مكان قريب من موقع الجريمة. 

أبو ابراهيم: خلاصة الكلام، لما العناصر جابوا السائق عبدو لعند رئيس الفرع وهوي آكل قتلة صار رئيس الفرع يصرخ عليهم، لإنه هوي وعد أبو رستم إنه ما حدا يضرب عبدو. 

فقال له واحد من العناصر: يا سيدي لو تعرف ليش ضربناه ما بتزعل منا. حضرته طول الطريق عم يحكي على سيادتك. وقال عنك جحش!

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...