حياة الفلسطيني.. جزءٌ من كلٍّ مخيف

حياة الفلسطيني.. جزءٌ من كلٍّ مخيف

01 فبراير 2024
+ الخط -

لستُ طبيعيًا. أيامي، مثل وجهي، شاحبة. لا شغف فيها، لا حياة. أفتحُ عينيّ في كلِّ صباحٍ على حياةٍ ميّتة، الحرب في كلّ مكان. يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش: "أينما ولّيتَ وجهك كلُّ شيءٍ قابلٌ للانفجار"، ولذا قد تبدو الحياة للوهلة الأولى حرب الكلّ ضد الكل، لكنها في حقيقة الأمر حربٌ بين ضعيف لا يحملُ شيئًا وقويٍّ يحملُ كلّ شيء، وبين من يملك ومن لا يملك. 

أنهضُ من سريري بعد محاولاتٍ كثيرة لاستكمال النوم ثانيةً. لا أجدُ أيَّ معنى للوجود، ولا للحياة، عدمٌ يضاجعُ عبثية.

أراني ألحُّ في طلب الأمنيات، وتهزّني أفكاري، تبعثرني طموحاتي، تجعلني أشعرُ بتيهٍ كبير، لا أدري كيف سأفرُّ من نفسي، ومن وطأة الحرب والناس خلال ساعات النهار. 

أظلُّ أُفكّرُ، وأستنجد الليلَ ليأتيني بالنّعاس.

النّعاس مثل فتاةٍ ناضجة، أشتهيها وأهربُ إليها من لحظاتيَ الفارغة، ومن تفكيري بنفسي بشكلٍ مزعج.

هذه هي أيام الفلسطيني، مهلكة، حزينة، بائسة، طويلة، ومملة. لا طعم ولا رائحة فيها.

أريدُ أن أطير فرحًا بما أملك، وأريدُ ما أملك أن يكون ما أريد.

لم أعد أرغب بالتعايش مع ما هو متاحٌ لي؛ فالتعايش أمرٌ تعيس وصعب، وممل جدًا؛ يُزهقُ الرّوح، ويتعب الجسد.

هذه هي أيام الفلسطيني، مهلكة، حزينة، بائسة، طويلة، ومملة. لا طعم ولا رائحة فيها

بكلّ ما أوتيتُ من قلقٍ أصرخُ بأنّي لا أطيق عملًا لا أحبّه، ولا أطيقُ علاقةٍ معقّدة مع فتاةٍ تافهة، ولم أعد أحتمل قسوة أن أعيش بين مجموعة من البشر تفكيرهم ضيّق إلى أبعد الحدود.

أحتاجُ إلى مساحاتٍ شاسعة من الحرّية، حريّة الانتقاء والخيارات الكثيرة؛ صحيحٌ أنّ كثرة الخيارات مثل عدمها مُحيِّرة ومتعبة، إلا أنّني أريدُ شيئًا يحرِّرُني من عتمة المتاح، يسحبني إلى سحابةٍ من الخيارات الكثيرة.

أجرّبُ في كلّ لحظة أن أكون حقيقيًا، بردود أفعالي، بملامح وجهي، بصوتي وأفكاري؛ أن أكون أنا، بهويّتي الشخصية، بحرصي على ألّا تفلت الأمور من يدي، بفرض سيطرتي على ذاتي ورغباتها. هذا أمرٌ جيّدٌ جدًا باعتقادي البسيط. لكن أحيانًا، يواجه الإنسان ما يمنعهُ من ذلك. فمثلًا، من العبثيّة أن تكون عاقلًا وسط الجنون، أو أن تعزفَ بآلتك الموسيقيّة أمام باب حفلةٍ صاخبة بالفوضى، أو أن تكون مُقوِّمًا وملتزمًا بعلاقةٍ مع فتاةٍ لا تلتزمُ بأخلاقها أو بك، فإذا كان من المخجلِ أن يعشقَ المرءُ شخصًا عاهرًا، فمن العبثية أن يحاولَ تقويمَهُ. والعكس أيضًا.

إنّ كلّ هذه الأمور هي قطرة من بحر في هذه الحياة، جزءٌ ضئيلٌ من كلٍّ مخيف.

الريماوي
محمد الريماوي
كاتب ومدوّن. خريج جامعة بير زيت. له اهتمامات في اللغة العربية والكتابة الإبداعية والشعر وكتابة الأبحاث والمقالات، ويقدّم محتوى مرئيًا ومسموعًا على منصات التواصل الاجتماعي.