بابا الذي لا يأتي

بابا الذي لا يأتي

17 مارس 2024
+ الخط -

لوحة رسمها طفل لم يتجاوز عمره التسعة أعوام لأمه التي لا تفعل أي شيء على الإطلاق كما قال والده وهو يشتكي زوجته التي لا تغادر المنزل، ولا تضيف قيمة حقيقة لما يقدمه هو وحده لمنزله وعائلته!

رسم "أنوجاث" ما تفعله أمه للبيت ولا يراه أبوه ولا يقدره ولا يشعر بقيمته، بل ويشتكي من تكاسلها مقابل شقائه هو!!

تذكرت اللوحة أثناء مشاهدتي لمسلسل "بابا جه" الذي يعرض على منصة شاهد، والذي يناقش نفس الفكرة، وتبدأ القصة بهشام الأب الغائب أول الأمر، والذي كان مصدرا للدخل أولاً والبهجة في وقت الإجازة ثانياً، حتى انقلب حاله بعد تركه للعمل.

بعد تركه للعمل وانصرافه للترفيه عن نفسه بعد الضغوط التي تعرض لها، ينسى مسؤولياته ودوره كأب ورب أسرة، لتنتهي الحلقة الأولى بابنته تتبرع به في يوم التبادل والعطاء الذي أقامته المدرسة، لأنه الشيء الوحيد الذي لا تجد له فائدة بالمنزل وتستطيع التخلي عنه.

وبعدما قضى النهار مع أحد الطلاب بشكل إنساني، بدأ الأمر يتطور ليصبح مصدر دخل بعدما اضطرته الظروف لذلك.

بالمثل لا يرى هشام أنه مقصر في حق بيته وزوجته وابنته، ولا يرى أنه متكاسل عن أداء دوره لأنه بالفعل قدم في السابق الكثير لهم، أما الآن فلا بأس من بعض الراحة التي لا يعلم متى تنتهي إلا الله.

الظروف التي أجبرت هشام على العمل كأب بديل مقابل المال، جعلته يرى ما تقدمه الأمهات ولا يقدره الآباء وهو على رأسهم، جعلته يدرك عواقب تخلي الآباء عن دورهم وتواجدهم مع أبنائهم من خلال الأمثلة التي ساقتها الحياة لطريقه. بالرغم من تخاذله وعدم إقدامه على البحث عن عمل حقيقي، وعدم رعايته لابنته التي لم يعد لديه الوقت ولا الجهد ليهتم بها كما يفعل مع من يستأجره. 

تعمل الأم أو لا تعمل لا يهم، كثيرون امتنعوا عن تقديم يد العون لأن هذا دورها المقدس، فلا راحة ولا هناء ولا وقت فراغ للأم وكأنها لم تعد إنساناً بعدما أصبحت أماً، ولا يجوز للأب أن يتدخل معها في أي شيء يخص المنزل، لأنه يعاني بالخارج بما يكفي، حتى ولو كانت تعمل معه وتساعده في الإنفاق على المنزل. فيتغاضى البعض عن هذا الأمر لكونه واجبا على الأسرة أن تتحد في هذه الناحية فقط، أما الناحية الأخرى فلا. واجب الأم المقدس الذي لا يجب أن يقوم به الرجال حتى لا ينتقص أحد من رجولتهم.

اللوحة التي ذكرتها سابقاً لم تنل الاهتمام الكافي ولا الشهرة العالمية ولا حتى جائزة محلية في حياة الأم التي خلدتها اللوحة، فرحلت عن عالمنا قبل أن ترى نجاح ابنها وتكريمه لها في حياتها كالكثيرات من حولنا، لا يبحثن عن جائزة أو تكريم، فقط بعض الامتنان والتقدير من شركائهن، والمساعدة قبل أي شيء قدر المستطاع لتستطيع الأم أن تقوم بدورها على أكمل وجه، ومن أجل تنشئة الصغار أسوياء بين والدين يرحم بعضهم الآخر ويعمل كل منهما أقصى ما بوسعه من أجل أسرته الصغيرة.