انتقام بحجم الهزيمة

29 أكتوبر 2023
+ الخط -

خاطئ من يظن أن إسرائيل دولة تقوم على أيديولوجية معينة، سواء دينية أو عرقية أو حتى سياسية، إسرائيل لها عقيدة واحدة ووحيدة، وهي عقيدة القوة، منذ قيامها إلى الآن، وجميع من يوجدون على رقعتها، أو حتى من يتعاطف معها، يشاركونها نفس العقيدة.

الكلمة للقوة لا غير، وأنت وتفسيرك للقوة، سواء عسكرية أواقتصادية، وقبل هذا وذاك القوة العلمية، هنا يأتي سؤال من يمتلك الحظ الأوفر في التحكم في المراكز العلمية الكبرى في الغرب، قبل قرنين أو أقل، كانت الكلمة للمسيحين، لكن من يتحكم في المشهد اليوم، إذا ما تتبعنا ردود فعل بعض الهيئات العلمية ندرك ذلك جيدا، لمَ يبدو أن الجميع متعاطف مع دولة تقف جميع شعوب العالم ضد سياستها الرعناء؟ وألا يفسر هذا العقيدة التي تؤمن بها إسرائيل؟

عملت دولة إسرائيل منذ أول يوم لها على إقناع العالم بهذا الأمر، أو على الأقل إيهامه بهذا الأمر، حتى وإن لم يكن مستعدا لتقبل هذا الأمر، وبالطبع ظهرت بعض الأساطير في ما يتعلق بالشعب الذي يحكم هذه الدولة، فبعدما كانت هناك أساطير تضطهده، سيأتي جيل ويجعل من هذه الأساطير محط قوة، وأن أخلاق الضعفاء التي نبذها نيتشه لم تكن سوى عامل قوة، وبل وستصبح هي أخلاق السادة، وليست أخلاق العبيد، وكل من أراد أن ينتمي لمجتمع السادة عليه أن يتحلى بأخلاق العبيد، وليس أخلاق السادة التي دعا إليها زرادشت، وتنبأ بأن حامليها ومتبنيها هم من سيقودون العالم، ألم يكن أول انتصار لأولئك الذين يتحكمون في تلك الدولة، هو هذا، بأن استطاعوا أن يقنعوا العالم بقلب القيم، وبالتالي جعلوها تخدمهم وتخدم تاريخهم، ومن ثم سيصبحون محط أنظار الجميع، بل ومحل تقدير وتمجيد من الجميع.

كم ردد العرب على الأقل في العصر الحديث، أسطورة الدولة التي لا تقهر، وأسطورة الشعب الأذكى

كم ردد العرب، على الأقل في العصر الحديث، أسطورة الدولة التي لا تقهر، وأسطورة الشعب الأذكى، كيف تسربت هذه الأفكار إلى المجتمع العربي، وكيف أصبحت تسيطر على عقول الكثيرين عقب الانتكاسات المتوالية التي كان يمنى بها العرب، حيث إنهم سيكولوجيا كانوا مستعدين لتقبل هذا الأمر، أذكر هنا كيف أن مجموعة من المفكرين اعتقدت بأن هذا الأمر قابل لأن يناقش، أي أن الشعوب العربية لم تهزم لأنه لم يكن عندها عتاد واستراتيجيات كافية لتنتصر، بل الهزيمة هي دلالة على تفوق الشعب المنتصر على المهزوم، تفوق فكري وعقلي بالدرجة الأولى، وهذا يؤكد أسطورة الشعب المختار، غير أن هذا الأمر في صيغة جديدة، صيغة تلائم العصر، من هنا سنبدأ في دراسة الفوارق الفردية، لنبدأ مسلسل جلد الذات، ونبدأ في ترديد أساطير تنتقص من جنس العرب، وتعلي من جنس الآخر، لنستمر في تأكيد الأيديولوجية التي حاول الاستعمار ترسيخها.

قوة إسرائيل لم تتوقف عند هذا الحد، أو محاولة إقناع العالم بقوتها لم تتوقف في الجانب الفكري فقط، بل في الجانب العلمي أيضا، حيث إنها حاولت أن تثبت للعالم أنها قوة، وذلك عبر الابتكارات العلمية التي تسجل باسم مجنسين في هذه الدولة، سواء أشخاص أو شركات، حتى إن الكثيرين أصبحوا يهابون هذه القوة العلمية الصاعدة، وبعض الدول اضطرت للتعامل معها، والتعاون أيضا، ومن دون أن نتحدث أيضا عن الجيش الذي لا يقهر في الشرق الأوسط، رغم أن جميع الإمدادات تأتي من أميركا. لكن المقصود كان هو أقناع أولئك القابعين هناك أولا، قبل غيرهم، أنهم هم القوة التي تحارب الشر، وتجلب العدل للعالم، وما هم في الحقيقة إلا واجهة لأميركا التي تريد أن تستمر في السيطرة على الشرق الأوسط، هنا يأتي سؤال ماذا لو كشف العالم هذه الأكذوبة؟

الجواب هو أن يكون هناك انتقام بلا رحمة، أن تكون هناك إبادة، لا يهم كم يروح ضحيتها، المهم استعادة الهيبة التي ضاعت، المهم استعادة رجل القش الذي تتباهى به، لا يمكن أن نفهم حجم هذه الفظاعة إلا بفهم نفسية مرتكبيها، أو المصدرين للأوامر، وقد كان هذا الأمر باديا من اليوم الأول الذي بدأت فيه الأحداث، حيث إن حجم الخسائر كان كافيا لأن يفضح هذه الأكذوبة التي استمرت سنوات، لهذا كل ما يجري هو انتقام لا غير، وواهم من يظن غير ذلك، انتقام بحجم الهزيمة الفظيعة.

سفيان
سفيان الغانمي
باحث في الفكر الإسلامي، حاصل على الإجازة في علم النفس، وباحث في سلك العالمية العليا التابع لجامع القرويين بفاس، مدون مهتم بالفكر والأدب. يعرّف عن نفسه بالقول: "حبر الطالب أقدس من دم الشهيد".