المنبوذة التي وضعت أحمر الشّفاه

المنبوذة التي وضعت أحمر الشّفاه

08 نوفمبر 2023
+ الخط -

مشرّدة أعيش، لا أحد يتقبّل امرأة ولدت بساقٍ أطول من أخرى، وظهرٍ مقوّس، ووجه يمتلئ بالبقع السّوداء والموت. ألقاني الله في مدينة الجمال، لماذا لم يأخذ مقاسات بشاعتي ووضعني في مكانٍ يناسبني؟

لديّ بنت واحدة في الرابعة عشرة من عمرها، ذات قوامٍ جميل، دائمًا تتلقى الكلام الجارح، الكلام الذي لم تعد تتحمّله من زميلات صفّها، تدرسُ في المدرسة نفسها التي أعمل فيها معلمة، سمعت مرّة زميلتها دون أن تنتبه لوجودها: "أشعرُ بالقرف نحو أم سوزي، كم هي قزمة وسمينة كالثور، انظري إلى أحمر الشّفاه كيف تضعه على شفتيها، إنّها تأكله، ألا تعرف أنّها مهما حاولت أن تحسّن من نفسها ستبقى قبيحة؟ أعان الله زوجها وبنتها على هذه القذارة". 

ثارت أعصاب صغيرتي، جاءت مشحونة باللطم، صرخت في وجهي: "أنا لا أحبّك، الجميع يقول إنّكِ بشعة، لماذا وضعتِ أحمر الشّفاه؟ حتّى هذا لا تعرفين وضعه، لماذا خلقني الله لأمٍ مثلك؟ لماذا لستِ مثل باقي الأمهات؟".

لا حيلة لي غير البكاء، تذكرت زميلتي التي أمسكت بفمي كحيوانٍ مفترس، غمزت لي قائلة: "سيلتهمك زوجكِ هذه الليلة أيّتها المعلمة، كوني مطيعة وشرسة في الفراش، أحمر الشّفاه هذا سيصنع لكِ ليلة من العمر".

سخرت مني، استغلت جوعي الشّديد لصديقةٍ تكون معي في منفاي، اعتقدتُ أخيرًا أنّ الخطأ الوحيد في هذا النّظام الذي ارتكبه إلهي في خلقي، سيصلحه بخداع النّاس بقلبي النبيل، ولن يروا بشاعة شكلي مرّة أخرى. 

حينما لا يجد الإنسان أيّ سببٍ يجعله سعيدًا، ويفقد الشيء الوحيد الذي عاش لأجله، ويحسّ كم أنّه عديم المنفعة والقيمة؛ يصبح الموت خياره الوحيد

ليس هناك ما هو أبشع من أن ينام الرّجل في حضن امرأته، وينادي عليها باسم عشيقته وهو في عز الذّروة!

عشتُ في خوف، بعدما اكتشفتُ أنّ عشيقته تكون زميلتي التي وضعت لي أحمر الشّفاه. لم ترحمني الأصوات التي تدّق رأسي وكأنني مسمارها الوحيد: هل ستحب سوزي هذه السّاقطة أكثر مني؟

تمنيتُ أن أذبحها بيديّ، أن أخنقها وهي ممدّدة فوق زوجي، أن يراني أنا المرأة الضّعيفة، المهزومة، التي لا حول لها ولا قوّة، كيف تحوّل جسده اللعين لقبرِ عاهرة!

 قضيتُ عمري أحلمُ بمؤخرةٍ كالممثلات أهزّها أمام زوجي، أن أجعل ابنتي الوحيدة فخورة بي، ألّا يرتعش أولاد الجيران خوفًا عند رؤية ظلّي، أن يضحك الرّب لي، ألّا أكون حشرة.. 

حينما لا يجد الإنسان أيّ سببٍ يجعله سعيدًا، ويفقد الشيء الوحيد الذي عاش لأجله، ويحسّ كم أنّه عديم المنفعة والقيمة؛ يصبح الموت خياره الوحيد.

سرتُ بلا أصابع إلى سطح المدرسة، مخدّرة بعينينِ مفتوحتين، هزمتني الحياة، همس ذلك الصّوت في أذني: اقفزي، لا أحد يحبّك، اقفزي..

جاءت تلك العاهرة إليّ، قالت: "ما بكِ يا عزيزتي؟ ألم ينفع معكِ أحمر الشّفاه؟ لذلك هربتِ إلى هنا للبكاءِ وحدك". أجبتها: "هل معكِ الآن أحمر الشّفاه؟".

أعطتني إياه ووجهها في حيرة، ما بين السّخرية والاستغراب. أمسكتُ فمها بقوّة، ووضعتُ عليه أحمر الشّفاه، وقلتُ بصوتٍ مجروح ويخيف حتّى الله: "ماذا لو ألقيتك الآن من هنا؟ ستكونين أجمل جثة ميتة تضع أحمر الشّفاه. أيّتها الحقيرة، أترغبين بمعرفة كيف تكون الهاوية؟". 

دلالات