العرب... إذ يتقاسمهم الجوار

28 ابريل 2021
+ الخط -

تتوارد التقارير عن تقارب تركي مصري، واندفاعة تركية كبيرة نحو تطبيع العلاقات مع نظام السيسي، تبدو فيه أنقرة في غاية الاستعجال لإتمام ذلك التطبيع، مع الإعلان عن وفد رسمي تركي سيزور القاهرة في السابع عشر من مايو/ أيار المقبل، فما الذي جرى حتى تغير تركيا موقفها، وكيف أصبح "نظام الانقلاب" فجأة شرعيا وصديقا ينبغي التقارب معه؟

وبمقابل الهرولة التركية نحو القاهرة، ثمة هرولة سعودية نحو طهران، إذ كشفت تقارير صحافية عن لقاءات تجري من خلف ستار في بغداد، ليس ببعيد عن مسيّرات الحوثي التي تدك الرياض، فكيف تحولت طهران من سرطان ينبغي اجتثاثه، إلى جار ينبغي التعايش معه؟

ثمة أسئلة عديدة في المنطقة يصعب التوصل لإجابات محددة بشأنها، لكن الواضح أن التغير الذي حصل في واشنطن ما زال صداه يتردد في الشرق الأوسط، فانتهاء حقبة ترامب يبدو أنها كشفت ظهر حلفائه في الرياض من جهة، ومن جهة أخرى فإن قلب بايدن ظهر المجن لأنقرة، وتمنع الأوروبيين عن فتح أبوابهم لها جعلها تصل لقناعة أن الساحة الوحيدة التي ينبغي عليها اللعب فيها والظفر بمقدراتها هي المنطقة العربية.

العجيب أنه في الوقت الذي يعدم فيه السيسي 17 مصرياً، تتقارب معه تركيا، وفي الوقت الذي يكثف الحوثيون (الإيرانيون) هجماتهم على السعودية، تحث الرياض الخطى لفتح حوار مع طهران؟

الصحيح أن أنقرة التي تعود تدريجيا إلى سياسة "صفر مشاكل" تريد أن تجد لها موطئ قدم في المنطقة، ومزاحمة الإيرانيين والإسرائيليين عليها، خاصة بعد أن بات واضحا أن هناك سياسة أميركية جديدة لا يبدو الشرق الأوسط  على أجندة صانعها، وإنما يتوجه نظر وقلم صانع القرار الأميركي للصين التي يرى فيها التهديد الأبرز في العشر سنوات القادمة، الأمر الذي يجعله يسعى لعقد اتفاقات مع الدول الإقليمية في المنطقة لتتسلم مفاتيح الشرق الأوسط.

وبالمحصلة ونتيجة لكل ذلك، فإن العرب الذين وضعوا كل بيضهم وأمنهم ومستقبلهم في السلة الأميركية، يبدو أن أميركا اليوم تتحلل من عبئهم، وتنحسب تدريجيا من المنطقة، لتتركهم وشأنهم يتدبرون أمرهم مع جيرانهم الأقوياء.

في المنطقة هناك تركيا، وإيران، وإسرائيل، هذا المثلث الذي يتنافس على المنطقة وخيراتها، طبعا ليست كلها متشابهة تماما بالضرورة، ولا أدواتها هي ذاتها، فإسرائيل بطبيعة الحال تبقى المهدد الاستراتيجي الأخطر على المنطقة، وإيران العابثة في الخواصر العربية تأتي عقبها في الخطورة والتهديد للأمن القومي العربي،لكن تركيا المترددة تتحمل أيضا بشكل أو بآخر كثيرا من ويلات ونكبات شعوب راهنت عليها، وخذلتها أنقرة، فهي تتحمل قدرا من المأساة السورية عندما أثارت حماسة السوريين ثم تركتهم، حالها حال غيرها، يواجهون براميل نظامهم، عزل في محرقة بشعة، قال أردوغان لهم يوما إنه لن يسمح بحماة أخرى، فكانت حموات بل لهيب ومحارق.

تغير متسارع في المنطقة التي يبدو أنها تتشكل من جديد، أو بشكل أكثر دقة يُعاد تشكيلها، ولا تبدو الغلبة فيها للعرب، إنما هم مادة للاقتسام والتبعية. لا يجيد العرب بكل أسف إلا تكرار الأخطاء، فبعدما خذلتهم واشنطن، وعوضا عن التداعي لإيجاد بديل، قرر بعضهم التحالف مع ذيل واشنطن في المنطقة، مهرولين نحو دولة الاحتلال، في تحالف أكثر رعونة من تحالفهم مع واشنطن، فإسرائيل التي تخلت عن الجنرال لحد، وعن الأكراد، وعن حلفائها العرب الذين سقطوا في ثورات الربيع العربي، لا يمكن أن تقدم شيئا لحلفائها الجدد. أميركا باعت الشاه من قبل رغم كل خدماته وولائه، وإسرائيل ستبيع كل حلفائها الواهمين بالبرود ذاته.

العجيب أنه في الوقت الذي يعدم فيه السيسي 17 مصريا، تتقارب معه تركيا، وفي الوقت الذي يكثف الحوثيون (الإيرانيون) هجماتهم على السعودية، تحث الرياض الخطى لفتح حوار مع طهران؟ المنطقة كلها تتغير ويعاد تشكيلها فيما العرب تائهون لا قيمة لهم في منطقتهم التي يتقاتل فيها وعليها الإيرانيون والأتراك والصهاينة.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.