الضفة وجدران الفصل والعزل

23 ديسمبر 2021
+ الخط -

تشهد الضفة الغربية هذه الأيام تصعيدا غير مسبوق تقوم به آلة القمع الإسرائيلية الوحشية، مصحوبا بانفجار اعتداءات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين في حالة تشبه إلى حد كبير ما جرى عام 1948، إذ تحول فجأة "المدنيون" إلى جنود في عصابات الهاغانا.

وحيث يوجد لدى الفلسطينيين في الضفة 99 سببا تجعل ضفتهم تشتعل في وجه الاحتلال، توجد بالمقابل 100 سبب تجعل سلطتهم الفلسطينية تتكاتف مع الاحتلال في إجهاض تلك الانتفاضة الفلسطينية ووأدها قبل تخلّقها، فاندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة هناك يصطدم ويتعارض مع مصلحة طرفين: إسرائيل والسلطة، فكلا الطرفين لا يريدانها، ويتكاتفان أمنيا ولوجستيا لقمعها، وللأسف فإن من الواضح أن السلطة باتت تقوم بوظيفة "جدار عازل جديد" أو "جدار فصل" بين الشعب والاحتلال.

لقد انتهت السلطة الفلسطينية اليوم- وهذا توصيف وليس هجوماً- للعب دور الضامن للأمن الإسرائيلي والوسيط بين الفلسطينيين ومحتلهم، وتوفر السلطة عبر استمرار الالتزام بمخرجات أوسلو الكارثية أرخص احتلال في العالم، وتعفي إسرائيل من القيام بواجباتها كدولة احتلال. وكذلك لعل من الانتكاسات الخطيرة الأخرى أنها تعطي تل أبيب الحجج للتملص من الاتهامات التي تلاحقها بممارسة "الفصل العنصري".

وفي الوقت الذي تنزاح فيه الأقنعة عن كثير من الوجوه، الفلسطينية والعربية وغيرها، تتضح بجلاء الوجهة التي ينبغي على الفلسطينيين أن يسلكوها لاستعادة قضيتهم الوطنية المختطفة، وهي كلها أمور مترابطة، فمواجهة التطبيع العربي وفضح أسبابه الحقيقية، يكمنان في استعادة المشروع الوطني الفلسطيني، كما أن الطريق لإنهاء الانقسام يكمن كذلك في ذات السياق والمسار والذي وخلاصته: أننا شعب تحت الاحتلال، مشروعه حركة تحرر وطني تواجه مشروعا استعماريا عنصريا وظيفيا، ليس نحن كفلسطينيين وإنما كعرب، فالمشروع الصهيوني يستهدف أبو ظبي كما يستهدف عمّان، يستهدف الرباط كما يستهدف الجزائر، المقصود استعادة الوعي الفلسطيني والعربي بأن قضية مجابهتنا للمشروع الصهيوني هي قضية عربية ووطنية فلسطينية، الفلسطينيون مكانهم الطبيعي في مقدمة المتصدّين لهذه الهجمة الشرسة، لكنهم لا ينبغي أن يكونوا الوحيدين فيها.

علينا كفلسطينيين أولا أن نصلح بيتنا الداخلي، وأولى خطوات الصلح أو الإصلاح في أي قضية اجتماعية أو سياسية أو غيرها هي الاعتراف بالخطأ، ومن ثم التوافق على طريق لمعالجته أو تجاوزه، وفي الحالة الفلسطينية لدينا كتب ومجلدات توافق فيها كل من كتب عن أزمة المشروع الفلسطيني أنها تكمن في أوسلو، ووصف أولئك الخبراء العلاج إذ بينوا أنه يكمن في التحلل من أوسلو كاملا، وإقفال صفحته، والعودة من أول السطر للنضال بكافة السبل ضد الاحتلال، وفضح ممارساته، وعزله، وإحياء المقاومة الشعبية ضده على قاعدة أننا شعب تحت الاحتلال يريد أن يتحرر.

برأيي إن الخطوة الأولى تكمن في اعتبار حل الدولتين قد انتهى، وأننا اليوم نواجه دولة تمارس الفصل العنصري، والتأكيد على أننا شعب معزول في "كانتونات"، وأن مشكلتنا ليست الكهرباء والرواتب والمعبر، وإنما أن أرضنا قد سرقت، وأن السارق يحاول أن يخفي سرقته، وأن من العيب والعار أن يعاونه أشقاؤنا العرب في ذلك، إذا لم يكن من أجل الفلسطينيين فمن أجل مصالحهم، ففلسطين أرض عربية سرقها الاحتلال منهم، كما أن إسرائيل عقب إخفاقها وفشلها في مواجهة الفلسطينيين، قفزت للجوار تبحث عن انتصارات.

الدولة التي تبني جدران فصل عنصري، وتنكفئ على نفسها، ليست دولة منتصرة وإنما مهزومة، وعلى العرب أن يتذكروا أن إسرائيل لا تبيع الآيس كريم، ومن رتلوا أنغام الشمعدان ينبغي عليهم أن يعيدوا حساباتهم الوطنية والعربية والإسلامية قبل فوات الأوان، لأن الاختراق الصهيوني ليس مزحة، وإنما تهديد استراتيجي يتجاوز تلك المراهقات غير الناضجة، وألا يكونوا جدران عزل بين شعوبهم وبين فلسطين. واهم من يعتقد أنه سيفصل بين الأمة العربية والإسلامية وبين قضيتها المركزية.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.