السينما العراقية.. تراث الفن ورؤى المستقبل

السينما العراقية.. تراث الفن ورؤى المستقبل

22 يناير 2024
+ الخط -

تقف السينما العراقية على مفترق طرق، حيث يتناوب التاريخ والتحولات السياسية على تشكيل هويتها الفنية. يمكن فحص هذه الرحلة من خلال عدة مراحل تظهر كيف تأثرت بالأوضاع السياسية وكيف حاول الفنانون التعبير عن واقعهم الاجتماعي.

في الأربعينيات، شهدت السينما العراقية محاولات تأسيس نشاط فني بالتعاون مع السينما المصرية. أفلام مثل "ليلى في بغداد" و"القاهرة بغداد" عكست تلك الفترة بالتعاون المصري - العراقي.

وفي الخمسينيات، بدأت مجموعة من المخرجين العراقيين تشكيل قاعدة للسينما العراقية. عبد الجبار توفيق وكاميران حسني أبرزا أعمالهم مع "من المسؤول؟" و"سعيد أفندي" على التوالي، ومع انتقال السلطة إلى حزب البعث، أُنشئت "المؤسسة العامة العراقية للسينما والمسرح". ورغم إنجاز بعض الأفلام، كانت تلك الفترة مرفوعة السعر بمظاهر تحكم سياسي.

في السبعينيات، بعد تسلم البعث الحكم، استمر الترويج لسياسة الدولة من خلال السينما. لكن بعض المخرجين، كقاسم حول، تجنبوا هذا النمط من خلال التعامل مع قضايا خارجية مثل فيلم "بيوت في ذلك الزقاق".

في الفترة اللاحقة، خرجت أفلام جديدة تعكس الواقع السياسي والاجتماعي. أعمال مثل "أحلام" و"ابن بابل" لمحمد الدراجي قدمت رؤية حديثة، لكن مع غياب الملكية الفنية، لم تحقق هذه الأفلام التميز الذي يستحقه الفن.

مع توقف بعض المهرجانات التي كانت داعمة للإنتاج العراقي، يصبح من الصعب للسينمائيين تأمين التمويل والتعبير عن رؤاهم الفنية

تواجه السينما العراقية في الوقت الحالي تحديات فنية واقتصادية. مع توقف بعض المهرجانات التي كانت داعمة للإنتاج العراقي، يصبح من الصعب على السينمائيين تأمين التمويل والتعبير عن رؤاهم الفنية. إضافةً إلى ذلك، تمنع الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة داخل العراق إمكانية تنظيم وتنفيذ مشاريع سينمائية بشكل مستقل.

على الرغم من التحديات، تظهر بعض الأفلام الحديثة التي تتعامل بشكل جريء مع القضايا الاجتماعية والسياسية. يبرز فيلما "أوديسا عراقية" لسمير جمال الدين و"الرحيل من بغداد" لقتيبة الجنابي كأمثلة على تلك الأعمال التي تسعى للتعبير عن حقيقة الحياة في ظل التحولات المتسارعة.

مع تطور التكنولوجيا، أصبح من الممكن للمخرجين الشبان تحقيق أفلامهم بتكاليف أقل، ولكن يظل البحث عن دعم مالي وتوجيه فني تحديًا. يشير ذلك إلى ضرورة وجود بنية داعمة من المؤسسات الحكومية أو الخاصة لدعم المواهب الجديدة وتشجيع الإبداع في عالم السينما.

التحولات السياسية والاقتصادية في العراق قد تفتح أبوابًا لإمكانيات جديدة في عالم السينما. على الرغم من التحديات، يمكن للفنانين العراقيين استغلال هذه الفترة لاستكشاف قضايا أعمق وتعزيز هويتهم الفنية.

في خضم هذا التحول، يلعب التواصل مع المجتمع الفني الدولي دورًا حيويًا. يمكن للمشاركة في المهرجانات الدولية وورش العمل أن تفتح أفقًا للتعاون وتبادل الخبرات، ما يسهم في إثراء السينما العراقية بالتأثيرات والأساليب الفنية المتنوعة.

هذه الرحلة عبر تاريخ السينما العراقية نجد أنها تعكس مسارات حياة العراق وتحولاته المعقدة. بين تحديات التأثير السياسي والظروف الاقتصادية، يستمر الفنانون في تقديم رؤاهم والتعبير عن هموم مجتمعهم. ورغم التحديات، تبقى السينما العراقية مكانًا للإبداع والتجسيد الفني. يتعين عليها اليوم تكامل الجهود لتعزيز الدعم المالي والهيكلية التحتية، مع الاستمرار في التفاعل مع المجتمع الدولي. بفضل الإصرار والإبداع، يمكن للسينما العراقية أن تحمل رسالتها إلى المستقبل، مسهمة في تشكيل وجدان وحكاية وطنها.

وتظل السينما العراقية في موقع فريد لتروي قصة وطنها، وفي ظل التحولات الحالية، يتعين عليها أن تتكيف وتتطور لتلبية تطلعات جيل جديد من المبدعين والجمهور. فهي ليست مجرد وسيلة لتسجيل الأحداث، بل هي فن يعبر عن رؤى وآمال الشعب العراقي في ظل تحولاته وتحدياته المستمرة.