أسباب تمنع حزب الله من دخول الحرب

أسباب تمنع حزب الله من دخول الحرب

08 نوفمبر 2023
+ الخط -

حاولت في هذا المقال أن أحصي عشرة أسباب تجعل تدخل حزب الله اللبناني بشكل كامل وشامل في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تدخلاً قد لا يكون مفيداً للقضية الفلسطينية، وحركة حماس تحديداً، وذلك على الرغم من الظروف الصعبة لهذه الحرب، ما يجعل حزب الله مكتفياً بمشاركة تضامنية محدودة في هذه الحرب، ومردّداً عبارات من قبيل "كلّ الاحتمالات مفتوحة"، و"كلّ الخيارات واردة"، وهي كالآتي:

1ـ إنّ تدخل الحزب بشكل كامل وشامل في الحرب قد يحوّل الأنظار عن القضية الرئيسية في هذه الحرب، وهي معاناة الفلسطينيين لما يزيد عن خمس وسبعين سنة من الاحتلال الإسرائيلي والحصار المفروض على أهل غزة منذ قرابة عقد ونصف من الزمن. من السهل حينذاك أنّ تصبح القضية "أذرع إيران في المنطقة" والملف النووي الإيراني، وستخسر آنذاك القضية بريقها الحقيقي ووهجها الذي يزداد في العالم يوماً بعد يوم.

2ـ إنّ تدخل الحزب الشامل والكامل لن يفيد مبدأ وحدة الساحات في هذه المرحلة، لأنّ حركة حماس ستكون الخاسر الأكبر، إذ إنّ التدخل سوف يقرن بهزيمة الحركة، وفي الحدّ الأدنى عدم قدرتها على تحمّل نتائج العملية الكبيرة التي قامت بها يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل. وسوف تحمل مسؤولية إدخال لبنان في حرب، ستكون ولا شك مكلفة.

3ـ انتصار المقاومات حول العالم هو انتصار في صمودها وليس انتصاراً بالضربة القاضية كما عبّر عن ذلك الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في خطابه الأخير. وبناء عليه، ينبغي على المقاومة أن تحافظ على موقعها الدفاعي، ولا تتخذ موقعاً هجومياً إلا إذا كان بمقدورها تحقيق نتائج واضحة وحاسمة. وفي حالة تدخل حزب الله الشامل في هذه الحرب، سيكون الهدف المعلن هو وقف العدوان على أهل غزة، وهو هدف يستحيل تحقيقه أمام وحشية الكيان الصهيوني والدعم الغربي الفاضح وغير المسبوق لزعيمه. إشعال حرب إقليمية في المنطقة سوف يؤدي إلى إهراق دماء مزيد من الأبرياء وضياع اسم غزة بين المدن والعواصم التي ستدخل الحرب، ولن يستطيع الحزب تحقيق الهدف الذي دخل الحرب من أجله، ما سيعدّ خسارة له في هذه الحرب.

4ـ تدخل الحزب بشكل كامل وشامل سوف يضعف جبهة التضامن الواسعة والآخذة في الاتساع يوماً بعد يوم مع قطاع غزة، لأنّ وهج عملية يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، والذي تحاول دولة الاحتلال استغلاله من أجل الظهور بمظهر الضحية بدأ يخفت لصالح المعاناة الإنسانية التي يعيش فيها الغزيون، حاضراً وماضياً. وسوف نكون من جديد في مواجهة ترديد العبارة المفضلة لدى الزعماء الغربيين "يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها".

5ـ تماسك الجبهة الداخلية اللبنانية أمام أيّ حرب قادمة لن يكون متيناً بفعل الأوضاع السياسية والاقتصادية التي يعيشها لبنان، مما سيشكل عاملاً ضاغطاً على قوى المقاومة من أجل وقف أيّة حرب كان من الممكن ألا يكونوا طرفاً فيها.

6ـ تقديرات الحزب تشير إلى أنّ مكاسب الحرب المحدودة على الجبهة اللبنانية هي لصالح قوى المقاومة أكثر منها لو تمّ توسيعها إلى حرب شاملة، وذلك في مستويات ثلاث:

  •  استنزاف العدو الإسرائيلي في مرحلة هو في غنى فيها أن يفتح جبهة جديدة، وقواعد الاشتباك الحالية هي في صالح حزب الله وقوى المقاومة اللبنانية.
  • نزوح عشرات الآلاف من الإسرائيليين بعيداً عن المنطقة الساخنة يشكل عامل ضغط على الحكومة الإسرائيلية من أجل إيقاف هذه الحرب.
  • تخفيف الضغط على جبهة غزة من خلال استقطاب نسبة من جيش الاحتلال لحراسة حدوده الشمالية.

7ـ رغم الدعم غير المحدود من الولايات المتحدة الأميركية لحليفتها إسرائيل ومنحها الضوء الأخضر في عملية القتل الممنهج لأبناء غزة، فإنّ تدخل الحزب سوف يطيل أمد هذا الضوء الأخضر الذي تمنحه أميركا لإسرائيل، والذي يبدو أنّ مدته أوشكت على نهايتها بفعل الحرج من الجرائم الإسرائيلية اليومية على مرأى ومسمع من الرأي العام العالمي.

8ـ القضاء على حماس كهدف إسرائيلي من هذه الحرب بات واضحاً أنه مستحيل التطبيق، ولن يتحقق إلا بموافقة مصر على تهجير أهل قطاع غزة إلى سيناء، وهو أمر رفضه الرئيس المصري حتى الآن، ما يجعل الحزب ميّالا إلى الاعتقاد بفشل الهدف الإسرائيلي من هذه الحرب، وأنّ المسألة مسألة وقت حتى تجني حماس انتصارها الخالص المتمثّل في تحرير الأسرى وإعادة وهج القضية الفلسطينية إلى الساحات العربية والإسلامية.

9ـ لا تزال قوى المقاومة، وخاصة حماس، تتأمّل تحرّكاً ما من أهل الضفة وعرب 48 انتصارا لإخوانهم في القطاع، وهو تحرّك قد يكون على شاكلة انتفاضة أو عصيان مدني شامل يربك حسابات الكيان الإسرائيلي. وأيّ تدخل شامل للحزب قد لا يكون في صالح زيادة حالة الاحتقان والغضب تجاه ما يحدث في غزة والمسؤولية التضامنية التي على أهل الضفة وعرب 48 أن يضطلعوا بها قبل غيرهم.

10ـ مع توالي أيام هذه الحرب سيكتشف الكيان الإسرائيلي أنّ مستنقع غزة قد كلفه أكثر مما يطيق المجتمع الإسرائيلي وجيشه تحمله، وسيكون آنذاك بين خيارين:

  • الأول، هو إعلان وقف إطلاق النار والرضوخ لمطلب حماس بتبادل الأسرى، مكتفيًا بما حققّه من نشوة الانتقام من المدنيين.
  • الثاني، الاستمرار في هذه الحرب المكلفة لجيشه، والتي إن استمرت فسوف تكون بالموازاة مع ضغط عالمي يطالب بإيقافها. وتدخل الحزب الشامل والحالة هذه، قد يمثل فرصة النجاة لحكومة نتنياهو من أجل تحويل بوصلته وبؤرة التركيز من غزة إلى لبنان متذرّعاً بخطورة حزب الله وأولوية لجم تحركاته. وربما يحدّد الإسرائيلي آنذاك هدفاً أقلّ تواضعاً، وهو تلقين حزب الله أو لبنان على وجه التحديد درساً متمثلاً بإعادتها إلى "العصر الحجري"، بحسب تعبير وزير دفاعه.
غبريط
أنس ابن غبريط
صحفي مغربي خريج كلية الحقوق والعلوم القانونية/ دبلوم الماستر من جامعة محمد الخامس بالرباط.