"مجاهدو باتيل - تروس"

"مجاهدو باتيل - تروس"

14 مارس 2022
+ الخط -

في ملتقى للجالية العربية في بريطانيا عقده منتدى التفكير العربي، تدارس عدد من الناشطين والأكاديميين والمستشارين القانونيين التعديلات الأخيرة في قانون الجنسية في بريطانيا، خاصة التعديل المقترح من وزيرة الداخلية بريتي باتيل، والذي يجيز سحب الجنسية في حالات محددة، وانعكاسه على حال الحريات والحقوق في بريطانيا، وكذلك تضييقها الخناق على اللاجئين ودعوتها لإعادتهم وسط البحر قبل وصولهم إلى المملكة المتحدة، جنبا إلى جنب مع التضييق على النشطاء المناصرين للقضية الفلسطينية وحملات المقاطعة التجارية السلمية للبضائع المنتجة في المستوطنات الإسرائيلية.

وخلال الورشة التي أدرتها، استوقفتني مداخلة للإعلامي عبد الله ولد سيديا في معرض اشتباكه الفكري في النقاش، تساءل ولد سيديا فيها عن كيفية الإفادة من فكرة تشريع الأبواب لمن وصفهم بـ"مجاهدي بريتي باتيل"، على حد تعبيره، في المجادلة بأن مناصرة القضايا العادلة ومقاومة الاحتلال هما أمر مشروع وليسا إرهابا، فعندما تعتدي عليك دولة وتحاول احتلال أرضك، فإن رد الفعل الطبيعي أن يقاوم ذلك الشعب محتله، ويتضامن معه أحرار العالم، وهو تماما ما يجري في فلسطين، كما أن المطالبة بمقاطعة إسرائيل هي مقاطعة لدولة احتلال ونظام فصل عنصري.

هذا بتقديري مدخل مهم للمجادلة حول تعريف الإرهاب والمقاومة، والتفريق بين النضال المشروع في مقاومة المحتل وبين ممارسة الإرهاب. لا إشكال بطبيعة الحال ولا خلاف على إدانة الإرهاب فكرا وممارسة، لكن الإشكال في تعريفه وفي من يعرفه، كما أن ثمة إشكالية حقيقية في تناقض المعايير الحاكمة له، من أمثلة تجريم أي تضامن مع القضية الفلسطينية، حتى المقاطعة واعتبارها إرهابا، كمحاولة تجريم ووسم حركة المقاطعة BDS بأنها إرهابية، مقابل التشجيع على مقاطعة روسيا كفعل مقاوم مشروع ومحبب وواجب من قبل الحكومة البريطانية، وعموم الحكومات الأوروبية.

التمييز بين نضال وآخر، وحق شعب في مقاومة الاحتلال وتجريم مقاومة شعب آخر هي قمة عدم الانصاف والتمييز الذي يفضي للشعور بالعنصرية وانعدام العدالة

وفي الوقت الذي وُسِم  فيه "المقاتلون السوريون" الذين قاتلوا بوتين في سورية كلهم بالإرهاب دون تمييز بين "داعشي" و"غير داعشي"، تشرع الأبواب لـ"مجاهدي بريتي باتيل وليز تروس" لقتال بوتين في أوكرانيا، ويعتبر الغرب ذلك قمة النضال من أجل الحرية والديمقراطية.

وكانت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس قد قالت، في مقابلة مع قناة BBC، إنها تؤيد انضمام البريطانيين للقتال في أوكرانيا، وتدعم قرار الرئيس الأوكراني بتشكيل كتيبة أو فيلق متطوعين دولي.

وعند سؤالها حول دعمها هذه الدعوة المفتوحة، قالت تروس أثناء استضافتها في برنامج "Sunday Morning": "أنا أؤيد ذلك بالطبع"، وأضافت: "شعب أوكرانيا يقاتل من أجل الحرية والديمقراطية - ليس فقط من أجل أوكرانيا، ولكن من أجل أوروبا بأسرها، لأن هذا هو ما يتحداه الرئيس بوتين".

وفي الوقت الذي تجتهد وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل في تجريم كل من ينتقد احتلال إسرائيل لغزة والضفة الغربية المحتلتين، وفق قرار مجلس الأمن 242 وميثاق جنيف، ويدعو لمقاطعتها ومقاطعة بضائعها، تشرع الأبواب والشبابيك ليس لنقد بوتين ومقاطعته، بل أيضا الدعوة لقتله وقتل جيشه والتحريض على العنف ضدهما، كما في آخر تعديل لمنصات التواصل الاجتماعي.

نستخلص من كل الأمثلة التي أوردناها أعلاه أن خيبة الأمل لدى العربي مبررة، فازدواجية المعايير الواضحة في تعامل الغرب مع قضاياه وتطلعه للحرية ومواجهة الاستبداد والاحتلال مبررة، وقد عبر عن ذلك نواب بريطانيون وإعلاميون صدحت حناجرهم على الهواء مباشرة منددين بتلك المعايير المزدوجة، كالإعلامي البريطاني جميس أوبراين المذيع الشهير في إذاعة LBC، والذي انتقد بشدة  التمييز بين اللاجئين، في الرحابة التي يستقبل بها الأوكرانيون في مقابل اعتبار اللاجئين السوريين والأفغان لاجئين من درجة ثانية، وكذلك فعل نواب أيرلنديين كثر، مثل البرلماني الأيرلندي ريتشارد بويد باريت الذي قال: "يتم استخدام أدق العبارات لوصف جرائم بوتين ضد الإنسانية، بينما لا يتم استخدام نفس العبارات عندما يجرى الحديث عن تعامل إسرائيل مع الفلسطينيين".

إن التمييز بين نضال وآخر وحق شعب في مقاومة الاحتلال وتجريم مقاومة شعب آخر، هي قمة عدم الإنصاف والتمييز الذي يفضي للشعور بالعنصرية وانعدام العدالة، فالقيم الإنسانية لا تجزأ.

إن حرب أوكرانيا كشفت الحاجة لتشكيل جبهة عريضة للنضال من أجل الحريات والحقوق عبر العالم، تنادي بالإقرار بحق الشعوب في الحرية، ومقاومة الاحتلال، ورفض استعمال القوة في فرض إرادة دولة على أخرى، ووجوب الانتصار لكل المظلومين عبر العالم دون تمييز بين عرق أو جنس أو لون، وبضرورة إنهاء كل الاحتلالات وأنظمة الفصل العنصري.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.