لا تملك أطراف نافذة في العراق خطاباً مغايراً تشغل به ماكيناتها الإعلامية والدعائية، فلا رؤية ولا تصور لبناء الدولة أو التخطيط والتنمية سوى "محاربة العدو"، حتى لو كان عدواً مختلقاً وليس حقيقياً. كان هؤلاء في أزهى أوقاتهم في سنوات الصراع مع تنظيم داعش.
لدى الأحزاب الحاكمة في العراق، المتّهمة بالفساد وانتهاك القانون، أوراق كثيرة تلعب بها لضمان مصالحها، غير أنه لن تكون هناك فرصة للتغيير إن فكّرنا بحصوله من خلال ضربة واحدة. وانتخابات مجالس المحافظات المقبلة فرصة مهمة على أكثر من صعيد.
تجري فلترة الواقع الفعلي عدّة مرّات، قبل أن يصل إلى المتلقّي، وأحياناً يجري تقديمه كي يخدم "حلبة الصراع" التي تفترض وجود خصمين. وحلبة الصراع في جوهرها تثير نوعاً من الشدّ والتوتر المثير للمتعة الخاطئة، أو المتعة الممزوجة بالخطيئة.
ترفع حكومة محمد شياع السوداني في العراق، لمدعومة من تيارات سياسية، سردية المقاومة، وقد أبدت موقفاً ينأى عنها، بما يوحي باستقلاليّة الحكومة، وأنها تحاول التصرّف بشكل براغماتي يرعى مصالح العراق. لكن موقفها يلتقي مع الخطّ العام الذي انتهجته إيران.
التناقض الغربي، والذي يقف خلف الشعور بخيبة الأمل، أمر ليس عارضاً أو مؤقتاً، وقد فضحته الأحداث ليس إلا، ولكنه موجود وعميق الجذور، فالانحياز لإسرائيل ضد حقوق الشعب الفلسطيني ليس وليد البارحة، بل هو من الأسباب الرئيسة لتفاقم المأساة سبعة عقود.
لم يتأخّر أي سياسي عراقي من إعلان موقفه الداعم حقوق الشعب الفلسطيني، كما اتّحدت كلّ الأطياف العراقية، على موقفٍ واحدٍ تجاه ما يجري من أحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلّة. ولكن، تحت سطح هذا الموقف، ثمّة "استعمال" سياسي إيديولوجي، لهذا الطرف أو ذاك.
نعرف أننا بهروبنا من الصواريخ العمياء على بغداد سنعود فيما بعد إلى بيوتنا، أو ما تبقّى منها، إن كان حظّها سيئاً وطاولها القصف، ولكن هذا الفلسطيني الهارب، يخامره شكّ مزمنٌ بأنها هجرةٌ أخرى ونزوح آخر، وأن هناك إمكانية واقعية ألا يعود إلى بيته مرة أخرى.
يراقب عراقيون كثيرون اليوم ما يجري من أحداث في الأراضي الفلسطينية، بحماسة كبيرة، خارج حسابات الولاء السياسي والتوجّه الإيديولوجي، وعيونهم لا تخطئ السبب الأساسي لهذه الحرب الجديدة؛ فهو الحقّ الغائب والتواطؤ الدولي في هذا التغييب لحقّ شعب في الحياة.
صارت انتفاضة تشرين في العراق اليوم حدثاً في الذاكرة. المعركة الآن على الحكاية والتأويل، تأويل حكاية تشرين. في لحظة ما من المستقبل، قد ينتصر تيار سياسي ما على خصومه بالاستناد إلى الرأسمال الرمزي التشريني، حتى من دون أن يكون تشرينياً أصلاً.
الهيئة التي ظهرت بها العراقية أم مظفّر ملتقطة من خيال رسام، وداعبت المخزون في أذهان الناس لهذه المصوّرات والرسوم ذات الطابع المقدّس والمحترم. ويمكن الجزم، بكل سهولة، أن أم مظفر، في البداية، لم تكن تقصد التحوّل إلى "تريند" على مواقع التواصل.